إن الفؤاد مع الظعن التي بكرت من ذي طلوح، وحالت دونها البصر البصرة: وهما بصرتان: العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب، وأنا أبدأ أولا بالعظمى التي بالعراق، وأما البصرتان: فالكوفة والبصرة، قال المنجمون:
البصرة طولها أربع وسبعون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الاقليم الثالث، قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة، وقال فطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب، قال:
ويقال بصرة للأرض الغليظة، وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي:
البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاء ذو بصر إذا كان شديدا جيدا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل: الأرض الطيبة الحمراء، وذكر أحمد بن محمد الهمداني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لان فيها حجارة سوداء صلبة، وهي البصرة، وأنشد لخفاف بن ندبة:
إن تك جلمود بصر لا أؤبسه أوقد عليه فأحميه فينصدع وقال الطر ماح بن حكيم:
مؤلفة تهوي جميعا كما هوى، من النيق فوق البصرة، المتطحطح وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب بس رآه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، وقال قوم: البصر والبصر الكذان، وهي الحجارة التي ليست بصلبة، سميت بها البصرة، كانت ببقعتها عند اختطاطها، واحده بصرة وبصرة، وقال الأزهري: البصر الحجارة إلى البياض، بالكسر، فإذا جاؤوا بالهاء قالوا: بصرة، وأنشد بيت خفاف:
" إن كنت جلمود بصر "، وأما النسب إليها فقال بعض أهل اللغة: إنما قيل في النسب إليها بصري، بكسر الباء لاسقاط الهاء، فوجوب كسر الباء في البصري مما غير في النسب، كما قيل في النسب إلى اليمن يمان وإلى تهامة تهام وإلى الري رازي وما أشبه ذلك من المغير، وأما فتحها وتمصيرها فقد روى أهل الأثر عن نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وغيره أن عمر بن الخطاب أراد أن يتخذ للمسلمين مصرا، وكان المسلمون قد غزوا من قبل البحرين توج ونوبندجان وطاسان، فلما فتحوها كتبوا إليه:
إنا وجدنا بطاسان مكانا لا بأس به. فكتب إليهم:
إن بيني وبينكم دجلة، لا حاجة في شئ بيني وبينه دجلة أن تتخذوه مصرا. ثم قدم عليه رجل من بني سدوس يقال له ثابت، فقال: يا أمير المؤمنين إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مسالح للعجم يقال له الخريبة ويسمى أيضا البصيرة، بينه وبين دجلة أربعة فراسخ، له خليج بحري فيه الماء إلى أجمة قصب، فأعجب ذلك عمر، وكانت قد جاءته أخبار الفتوح من ناحية الحيرة، وكان سويد ابن قطبة الذهلي، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان