محبوب عن عبد الكريم، رفعه إلى رشيد الهجري، قال: لما طلب زياد - أبو عبيد الله - رشيد الهجري، اختفى رشيد، فجاء - ذات يوم إلى أبي أراكة - وهو جالس على بابه في جماعة من أصحابه - فدخل منزل أبي أراكة، ففزع لذلك أبو أراكة وخاف، فقام فدخل في إثره، فقال:
ويحك قتلتني وأيتمت ولدي وأهلكتهم! قال: وما ذاك؟ قال: أنت مطلوب، وجئت حتى دخلت داري " وقد رآك من كان عندي. فقال: ما رآني أحد منهم، قال: وتسخر بي أيضا؟ فأخذه وشده كتافا، ثم أدخله بيتا، وأغلق عليه بابه، ثم خرج إلى أصحابه، فقال لهم: إنه خيل إلى أن رجلا شيخا قد دخل - آنفا - داري، قالوا: ما رأينا أحدا، فكرر ذلك عليهم، كل ذلك يقولون: ما رأينا أحدا، فسكت عنهم، ثم إنه تخوف أن يكون قد رآه غيرهم، فذهب إلى مجلس زياد ليتجسس: هل يذكرونه؟ فان هم أحسوا بذلك أخبرهم أنه عنده، ودفعه إليهم (قال): فسلم على زياد، وقعد عنده، وكان بينهما لطف (قال):
فبينما هو كذلك إذ أقبل رشيد على بغلة أبي أراكة مقبلا نحو مجلس زياد (قال): فلما نظر إليه أبو أراكة تغير لونه، وأسقط في يده، وأيقن بالهلاك، فنزل رشيد عن البلغة، وأقبل على زياد، فسلم عليه، فقام إليه زياد، فأعتنقه وقبله، ثم أخذ يسأله: كيف قدمت ومن خلفت، وكيف كنت في مسيرك؟ وأخذ يحييه، ثم مكث هنيئة، ثم قام فذهب. فقال أبو أراكة لزياد: أصلح الله الأمير، من هذا الشيخ؟ قال: هذا أخ من إخواننا من أهل الشام، قدم علينا زائرا. فانصرف أبو أراكة إلى منزله، فإذا رشيد الهجري بالبيت كما تركه، فقال له أبو أراكة:
أما إذا كان عندك من العلم كما أرى، فاصنع ما بدا لك، وادخل علينا كيف شئت " (1)