(ولكن أنت خبير) بأنه إن أريد من هذا الكلام إن الصور العلمية تفاض على النفوس بعناية ربانية ومن قبل الله جل وعلا والتوفيق من الله - بتوجيه الأسباب وتهيئتها للمتعلم ولا بد في النفس من قابلية ولياقة لهذه العطايا الربانية - فهذا حق ومحض الواقع ولكن لا اختصاص له بعلم الفقه وملكة الاجتهاد بل هذا هو الحال في جميع العلوم بل الحال في جميع العطايا الإلهية (وإن أريد) أمر زائد على هذا في خصوص ملكة الاجتهاد وانه لا تحصل هذه الملكة إلا للورع المتقي والذي هذب نفسه عن الرذائل وتحلى بالفضائل فهذا معلوم البطلان بالوجدان، إذ هذه الملكة أيضا كسائر ملكات العلوم تحصل للعادل والفاسق بل المؤمن والكافر، فإن كل من له استعداد فطري وجد واجتهد في طلبها من طرقها المتعارفة سواء أ كان عادلا أم فاسقا يحصلها فان الله لا يضيع عمل عامل (نعم) ربما لا يوفق الفاسق المتهتك لاتمام عمله، فإن التوفيق من عند الله لا يعطيه إلا لمن أراد.
وأيضا لو كان وجود هذه الملكة منوطا بالورع والعدالة فاشتراط العدالة في الحاكم والمفتي يكون لغوا (اللهم إلا أن يقال) أن حدوثها منوط بها لا بقائها وهو كما ترى.
(الامر الثالث) في إمكان التجزي في الاجتهاد وعدمه، لا ريب في أن ملكة الاجتهاد كسائر الملكات بسيطة لا تركيب فيها لأنها من الكيفيات النفسانية والكيف لا يقبل القسمة (فربما يتوهم) من هذه الجهة عدم إمكان التجزي في الاجتهاد لان تلك الملكة لا تتجزأ بل يدور أمرها بين الوجود والعدم، ولكن هذا التوهم فاسد (لأنها) وإن كانت بسيطة ولكنها ذات مراتب متفاوتة في الكمال والنقص فربما تحصل مرتبة ناقصة منها دون المرتبة الكاملة ولا تلازم بينهما في الوجود (وربما يقال) بعدم إمكان حصول مرتبة المطلق إلا بعد حصول مرتبة التجزي وإلا يلزم الطفرة