وقيل في جواب الأخباريين في دلالة هذه الآية على نفي الملازمة بأن الآية لا تدل الا على نفي فعلية العذاب ونفي الفعلية لا يدل على نفي الاستحقاق لان نفي الأخص لا يدل على نفي الأعم والذي يدل على عدم الملازمة هو نفي الاستحقاق لا نفي الفعلية لأنه من الممكن عدم فعلية العذاب بواسطة العفو، كما ورد العفو عن نية السيئة مع عدم العمل بها، وعن ارتكاب الصغائر مع الاجتناب عن الكبائر، وعن الظهار، فإذا حكم العقل بلزوم فعل أو ترك ولم يرد بيان من الشارع على لزوم أحدهما على وفق العقل يمكن أن يكون من خالف حكم العقل مستحقا للعقاب ولو عفى الله عنه بحكم هذه الآية (وفيه أولا) ان ردهم بهذا البيان مع الاستدلال بهذه الآية على البراءة كما ذكره المحقق القمي (ره) متناقضان إذ البراءة مبتنية على أن يكون المراد من نفي التعذيب في الآية نفي الاستحقاق وردهم في نفي الملازمة مبتنية على أن لا يكون المراد منه نفي الاستحقاق بل يكون نفي الفعلية وأما اعتراف الخصم بملازمة نفي الفعلية مع نفي الاستحقاق فلا يصحح الاستدلال على البراءة إلا جدلا لا برهانا (وثانيا) لا يجوز إظهار العفو وإعلانه من الحكيم مع الاستحقاق لأنه موجب للجرأة على ارتكاب المعصية، وأما في العفو عن نية المعصية مع عدم العمل بها على فرض كونها معصية لا يمكن التجري فيها لأنه حال النية والعزم على المعصية لا يحتمل أن تكون نية مجردة، وأما العفو عن الصغائر حيث إنه معلق على اجتناب الكبائر طول عمره فلا يمكن عادة له إحراز هذا الموضوع بحيث يكون مطمئنا بأنه لا يبتلى ولو بكبيرة واحدة كاستماع غيبة مثلا في تمام عمره فلا يوجب التجري على ارتكاب الصغائر مثل هذا العفو المعلق، وأما الظهار فان ثبت العفو عنه فلا بد وأن نقول بعدم حرمته.
ولكن الانصاف ان الآية ظاهرة في نفى العقاب بدون إتمام الحجة فيكون مفادها مفاد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فلا تعارض أدلة وجوب الاحتياط لو كان دليل على ذلك كما يدعيه الأخباريون كما أن بعث الرسل كناية عن البيان والاعلام والايمان فتأمل.
(ومنها) قوله تعالى (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى