- وأن الافعال في حد ذاتها مع قطع النظر عن أمر الشارع ونهيه لا حسن لها ولا قبح لها وأن الحسن ما أمر به الشارع وأن القبيح ما نهى عنه كما ذهب إليه الأشاعرة - فليس هناك في مقام الثبوت حسن وقبح كي يقع الكلام في أنه هل يدركه العقل أم لا.
وقد نسب إلى الأخباريين منا إنكار إدراك العقل حسن الافعال وقبحها ولو بنحو الموجبة الجزئية وفي مورد واحد (ولكن الانصاف) - أن عزل العقل بالمرة عن إدراك الحسن والقبح - ليس كما ينبغي بل ربما يلزم منه إفحام الأنبياء إذ بناء على هذا يمكن صدور المعجزة على يد الكاذب ولا قبح فيه فلا يكون صدور المعجزة منه و على يده دليلا على نبوته، هذا مع أن بداهة العقل والفطرة تحكم بحسن بعض الأفعال كإطاعة المنعم وشكره وقبح بعضها الاخر كعصيانه وكفر انه فإذا عزلنا العقل بالمرة عن الادراك فينسد باب إثبات الصانع ويبطل جميع العلوم العقلية بل النقلية أيضا.
ومن جملتها حكم العقل بالملازمة بين ما استقل العقل بحسنه و وجود المصلحة الملزمة فيه وبين حكم الشارع بوجوبه وهكذا بين ما استقل بقبحه ووجود المفسدة فيه وبين حكم الشارع بحرمته، وقد أنكر هذا المعنى بعض الأصوليين وجماعة الأخباريين.
ولكن أنت خبير - بان إنكاره بنحو السالبة الكلية لا وجه له، لان إنكاره لا بد وأن يكون لأحد وجهين اما من جهة عدم تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد، واما من جهة عدم إمكان إدراك العقل لها ولو بنحو الموجبة الجزئية (وقد عرفت) فيما تقدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وأن التكاليف لا يمكن أن تتعلق بشي جزافا و الإرادة التشريعية مثل الإرادة التكوينية في ذلك، وعرفت أيضا أن العقل بنحو الموجبة الجزئية يمكن أن يدرك المصالح الملزمة وحسن الاشياء والمفاسد وقبحها ولو في بعض الموارد