وأما اللفظ في باب الوضع لا بد وأن يكون ملحوظا بالنظر الاستقلالي وملتفتا إليه، لان الواضع يجعل الارتباط والعلاقة بين اللفظ و المعنى بأي معنى كان الارتباط الوضعي، ولا يقدر على جعل هذا الارتباط الا بعد تصور كلا الطرفين الذين أحدهما اللفظ مستقلا. وهذا واضح جدا، فيلزم في الاستعمال المفروض لحاظ اللفظ آليا من ناحية الاستعمال، واستقلاليا من ناحية الوضع، وهو محال.
وأجيب عنه بوجوه: (الأول) - ما أفاده أستاذنا المحقق (قده) من أن الملحوظ باللحاظ الاستقلالي هو طبيعة اللفظ وهو الملتفت إليه، وما هو ملحوظ بالنظر الآلي وغير ملتفت إليه هو شخص اللفظ. فلم يجتمع اللحاظان في موضوع واحد.
وفيه أنه لا شك في إمكان كون شخص اللفظ حاكيا عن نوعه، كما في قولك:
ضرب فعل ماض، حيث جعل شخص (ضرب) في هذا المثال حاكيا عن نوعه.
ومعلوم أيضا أنه لا يلزم من ذلك اجتماع اللحاظين الاستقلالي و الآلي، لكن هذا الكلام أجنبي عن محل بحثنا، لان كلامنا الان في استعمال اللفظ في معنى وإلقائه وإرادة ذلك المعنى، كقوله: أعطني ولدي محمدا مثلا فيما إذا أراد التسمية بهذا الاسم بنفس هذا الاستعمال. ومعلوم أن في هذا الاستعمال لا نظر له استقلاليا إلى اللفظ أصلا لا إلى شخصه ولا إلى نوعه ولا إلى طبيعته، كما هو المفروض. نعم لو استعمل اللفظ في ذلك المعنى وتصور طبيعة اللفظ وذلك المعنى أيضا، وجعل علاقة بينهما، فهذا أمر ممكن معقول، لكنه خلاف الفرض، وهو تحقق الوضع بنفس الاستعمال. ففي الحقيقة فرض الأستاذ يرجع إلى أن هاهنا استعمالا ووضعا، وكل واحد منهما غير مربوط بالآخر وهذا، ممكن لكنه خروج عن الفرض هذا مضافا إلى أن إنشاء تلك العلاقة وذلك الارتباط بين طبيعة اللفظ و المعنى حيث أنها من الأمور الاعتبارية لا بد أن تكون ب آلة كسائر العناوين الاعتبارية في أبواب المعاملات، كالنكاح والبيع وأمثالهما، ولا بد أن تكون تلك الآلة سببا عند العرف وقد أمضاها الشارع أو أحدث سببا بنفسه وإن لم يكن عندهم بسبب. وفي ما