نهاية النهاية - المولى محمد كاظم الخراساني - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
فيما استدل به على الاحتياط في الشبهة البدوية قوله: مع أن هناك قرائن دالة على انها للارشاد:
قرائن الارشاد ليست في جميع الأخبار، بل في مثل (أخوك دينك فاحتط لدينك) ونظائره، مع أن حمل الامر على الارشاد لا يجدي القائل بالبرأة، فان معنى الارشاد هو أن يكون الامر صادرا من مصدر العقل، والمولى بما هو أحد العقلا قد تكلم به لا بما هو مولى، و قضية ذلك عدم جعل تعبدي من قبل المولى، وكون الحكم هو حكم العقل، لكن ذلك لا يقتضي قصر وجوب الاحتياط بمورد يحكم العقل حكما فعليا بوجوب الاحتياط فيه، بل يعم وجوبه موارد وجود ملاك حكم العقل بوجوب الاحتياط، لأهمية التكليف المشتبه، وإن لم يدرك العقل هذه الأهمية.
وبالنتيجة: عدم حكمه فعلا بالاحتياط، فإذا عم الامر الارشادي الايجابي حسب ظاهر الدليل جميع موارد الشبهة كشف ذلك عن ثبوت هذه الأهمية في جميع تلك الموارد، ويشهد على عدم اعتبار فعلية حكم العقل في تحقق الامر الارشادي، ان أوامر الطبيب إرشادي مع أن العقل لا يحكم صغروية في مواردها، بل من أمر الطبيب يستكشف عن وجود ملاك إلزام العقل.
وبالجملة: لا سبيل إلى المناقشة في اخبار الاحتياط سندا، فإنها متظافرة إن لم تكن متواترة، ولا دلالة برميها إلى كل مرمى سحيق، فان فيها ما هو نص في الوجوب، فلا سبيل إلى حملها على الاستحباب، وكيف يحمل على الاستحباب قوله عليه السلام: (ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط).
وقد عرفت ما في التخصيص والحمل على الارشاد، ومع ذلك فالحق في المسألة هو البراءة لعدم التعارض بين اخبار الطرفين، و ورود اخبار البراءة على اخبار الاحتياط، فان اخبار البراءة تفيد حل المشتبه، فيخرج بذلك عن موضوع الشبهة ويدخل في الحلال البين، فان ظاهر الشبهة ما لم يعلم حكمه بوجه من الوجوه وبعنوان من العناوين، حتى بعنوان مشتبه الحكم، كما أن ظاهر الحلال و الحرام
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»