ذلك هو كون مباشرة الافعال اقدام على التصرف فيما يرجع امره إلى الغير، فان العالم برمته لله تبارك وتعالى، ولا يجوز لاحد التصرف في شئ منه إلا بإذنه تعالى، وفيه ان العقل انما يحكم بذلك بمناط ان التصرف بغير إذن المالك مزاحمة لسلطان المالك، و فيما نحن، المتصرف وما تصرف فيه كله في قبضة الله تعالى، وأي عقل يحكم بأن الأثمار تبقى على أصولها حتى تخيس ولا ينتفع بها الآكلون.
نعم، لو سلمنا حكم العقل هذا، لم يكن وجه للفرق بين المقام وبين ما قبل الشرع، فان مناط الحكم في المقامين واحدا، فإن كان حكم العقل في أحدهما هو الحظر، كان حكمه في الاخر أيضا ذلك، وإن كان حكمه في أحدهما الإباحة وقبح العقاب بلا بيان، كان حكمه في الاخر أيضا هو ذلك.
قوله: لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف:
لكن الاستدلال به يجدي في إلزام القائلين بالحظر في تلك المسألة بالقول به هنا، لما عرفت، من: اتحاد مناط الحكم فيهما منعا وجوازا.
قوله: وثالثا: انه لا يستلزم:
قد عرفت اتحاد طريق المسألتين ولا تختص إحداهما بأمر لا يجدي في الأخرى. وما نقله المصنف في مقام الفرق بينهما بقوله: وما قيل من أن الاقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه، كالاقدام على ما تعلم فيه المفسدة، مشترك بين المسألتين لا يختص بإحداهما.
قوله: ممنوع، ولو قيل:
قد تقدم انا لا نعقل للمفسدة معنى غير الضرر، وعلى تقدير تعدادهما مشتركان في حكم العقل بوجوب دفع محتملهما ولا وجوبه، مع أن احتمال أن يكون ملاك الحكم في المشتبه هو الضرر، كاف في اندراجه تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل، ودعوى ضعف الاحتمال المذكور على إطلاقها، كاف في اندراجه تحت قاعدة دفع الضرر المحتمل ودعوى ضعف الاحتمال المذكور على إطلاقها، ضعيف، فربما يكون قويا جديا، وعليه، فينبغي التفصيل بين موارد الشبهات، مع أنه لم يذهب إليه أحد.
قوله: مع أن الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه:
لكن لا يبعد دعوى وجوب