فإيجاب الاحتياط والعقاب كلاهما ينشئان في عرض واحد من ثبوت التكليف حال الجهل لا أن يكون منشأ العقاب هو وجوب الاحتياط، بل ظاهر اخبار الاحتياط هو العكس، وإن منشأ إيجاب الاحتياط هو التحرز عن الوقوع في المهلكة، ثم إنه يتجه الاشكال على التمسك بالحديث بوجهين:
الأول: انه على فرض تقدير المؤاخذة، كان الحديث دليلا على رفع فعلية المؤاخذة دون استحقاقها، وهو أعم من المطلوب، وكون المنفي في سائر الفقرات هو الاستحقاق، لا ينافي نفي الفعلية في الجميع.
نعم، لو قدر استحقاق المؤاخذة، صح الاستدلال بالحديث على المطلوب، لكن تقدم انه لا معنى لرفع الاستحقاق إلا رفع منشئه، وهو خلف، لان المرفوع حينئذ يكون ذلك المنشأ دون العقاب.
الثاني: ان الحديث إنما يصح التمسك به إذا أريد منه رفع التكليف عن كل فرد من أفراد الأمة، ما لا يعلمه ذلك الفرد، اما إذا أريد رفعه عن الجميع، ما لا يعلمه الجميع، فالحديث يكون دليلا على أن الأصل في الأشياء قبل الشرع، الإباحة، كما اعترف به، واما بعد الشرع و عروض الاختفاء فلا دلالة على شئ ولا ظهور له في المعنى الأول، إلا أن يقال: سياق باقي الفقرات يعينه.
قوله: وإن كان في غيره لا بد من تقدير الآثار:
قد عرفت: عدم اللابدية، وإن الفعل يوضع ويرفع عن الشخص بالالزام به وترك الالزام به، على أن يكون الوضع والرفع منسوبا إلى الفعل حقيقة، ويكون التكليف من قبيل الواسطة في الثبوت، وهذا كما في ثبوت الدين في الذمة والعيال في العهدة، فان كل ذلك على الحقيقة.
وبالجملة: كلما يكون ثابتا في العهدة شرعا أو عرفا، فهو موضوع على الشخص، فيكون رفعه رفعا عن الشخص، ولولا ذلك كان سياق باقي الفقرات قاضيا بالتقدير هنا أيضا، فان التكليف بين الفقرات بالتقدير في غاية البعد وعدمه.