اما البعث النفسي أو البعث الغيري الاحتياطي، فهو خارج عن حيطة التكليف، كما اعترف به الأخباريون المخالفون في المسألة.
لا يقال علي ما ذكر: يكون الرفع عقليا من غير منة ولا اختصاص بهذه الأمة، مع أن ظاهر الحديث هو المنة والاختصاص. فإنه يقال: المنة هو في عدم إيجاب الاحتياط والاقتصار على الطلب النفسي، الموجب لقصر التكليف بمن علم بالطلب النفسي مع التمكن من تكليف من لم يعلم بذلك، بإيجاب الاحتياط، لما عرفت، من: ان أحد الاعلامين كاف في حصول الالزام عقلا.
والحاصل: ان الإرادة سوأ تعلقت بفعل النفس أو بفعل الغير تكون على تقدير ترتيب المقدمات في تحصيل المراد، ومن المقدمات في تحصيل المراد في الإرادة المتعلقة بفعل الغير، هو إعلام ذلك الغير بتحقق هذه الإرادة لغرض حصول الانبعاث منه نحو المراد، سوأ كان بصيغة افعل أو بالجملة الخبرية، فإذا اختص الاعلام بشخص اختصت الإرادة بالتعلق بفعله دون فعل من لم يصدر إعلام في حقه، و لو لأجل عدم الظفر بإعلام المولى، وهذا واضح بالتأمل في موارد الإرادات المتعلقة بالفعل بالمباشرة والفعل بالتسبيب.
إن قلت: الاعلام انما يكون بالتكليف لا بأمر آخر، ودخله في توجه التكليف انما يكون من أجل انه يوجب العلم بالتكليف، فيؤول اشتراط التكليف بالأعلام إلى اشتراطه بالعلم بالتكليف، والحال ان العلم بالتكليف متوقف على ثبوت أصل التكليف، فالدور المتقدم يكون باقيا على حاله بلا دافع عنه.
قلت: للاعلام بالطلب بداعي البعث جهتان: جهة كونه إعلاما بما في النفس من الطلب وجهة كونه بعثا وتحريكا ومقدمة، أعملها المولى لغرض التوصل إلى وصول مراده، فهو بالجهة الأولى: كاشف عن ذاك المعنى النفساني، الذي لا يجب تنفيذه عقلا، وبالجهة الثانية:
يوصل ذلك المعنى إلى حد يجب تنفيذه عقلا، إذ يكون بذلك إرادة فعلية يجب إنجازها، وبعبارة أخرى: به يتحقق العلم بمادة التكليف و به يتحقق فعليته، فان الإرادة القائمة بالنفس ليس تكليفا وطلبا، بل