ومن ذلك يظهر عدم اختصاص الرفع بالأحكام الالزامية، بل يعم كل موضوع على المكلفين ومجعول في حقهم وضعيا أو تكليفيا غير إلزامي، اقتضى المنة رفعه لما عرفت: ان مادة الرفع لا يختص إطلاقه بما فيه كلفة ومشقة، كما لا يخفى على من راجع موارد استعماله. و اما تقدير المؤاخذة أو الاسناد بلحاظها، ففيه مضافا إلى أن التقدير لا يصار إليه عند عدم الضرورة: ان المؤاخذة المقدرة إن كانت هي المؤاخذة الفعلية لم تدل الرواية على نفي الاستحقاق، كما في آية (وما كنا معذبين.). وإن كان استحقاق المؤاخذة لم يكن معنى لرفع الاستحقاق العقلي إلا رفع منشأ الاستحقاق، وهو التكليف، فيؤول الامر إلى رفع التكليف.
ثم إن معنى رفع (ما لا يعلمون) كما في رفع (ما اضطروا) وباقي أخواته، هو رفع التكليف واقعا لا رفعه ظاهرا مع ثبوته واقعا، كما هو مقصود المتمسكين بالحديث على البراءة، فان الرفع ظاهرا مع الثبوت واقعا لا معنى له، ولا يلزم مما ذكرنا محذور الدور، وهو توقف ثبوت التكليف على العلم به، مع أن العلم لا يكون إلا بعد التكليف.
وذلك لان التكليف الذي حقيقته هو الإرادة القائمة بنفس المولى لو توقف على العلم بهذه الإرادة، لكونها إرادة متعلقة بالعالمين بهذه الإرادة، لزم ما ذكر، لكنه لا يتوقف على هذا العلم، بل على العلم بإنشائها وطلبها، فيكون الموقوف غير الموقوف عليه، لان التكليف يتوقف على العلم بإنشاء التكليف والاطلاع على البعث الصادر من المولى، فإرادة المولى تعلق بإتيان من ظفر على بعثه واطلع على إعلامه بداعي التحريك دون من لم يظفر ولم يطلع. والاختصاص المذكور عقلي، فيكون مفاد حديث الرفع مطابقا لما هو قضية حكم العقل بلا تعبد شرعي.
وبالجملة: التكليف مختص بمن وصل إليه إعلام المولى، لا يتجاوز إرادة المولى عن ذلك قيد شعرة.
نعم، لا يختص الاعلام المذكور والبعث نحو الفعل بأن يكون مطابقا لإرادته، بل يكفي البعث بعنوان الاحتياط تحفظا على إرادته، فمن لم يصل إليه أحد البعثين،