تخلف بعض ما يعلم دخله من القيود، ومع تخلف قيد معلوم الدخل لا يجري الاستصحاب.
بيانه: ان عند الشك ليس للعقل حكم قطعا، وإلا لم يكن شك، وارتفاع حكم العقل ليس إلا لأجل تخلف قيد يكون دخيلا في حكمه، بحيث لا يحكم بدونه، فإذا كان دخيلا في حكم العقل لا جرم كان دخيلا في حكم الشرع المستكشف به، لان حكم العقل والشرع المذكور يتواردان على موضوع واحد، لان قاعدة الملازمة تقتضي حكم الشرع في موضوع حكم العقل بلا زيادة ونقيصة، فإذا ارتفع قيد دخيل في أحد الحكمين لم يجر الاستصحاب في الحكم الاخر أيضا، لدخله فيه أيضا، فيكون الشك شكا في حكم حادث في موضوع جديد لا في استمرار ما كان من الحكم أولا. والحق مع ذلك جريان الاستصحاب.
توضيح الحال: ان هنا أمورا ثلاثة:
الأول: درك العقل حسن الافعال وقبحها، أعني ملائمة بعض الأفعال له، كمنافرة بعض آخر له.
الثاني: تطبيق العنوان الكلي، الذي أدرك حسنه وقبحه، على الجزئيات الخارجية مثل ان هذا إحسان، وذلك ظلم.
الثالث: بعث العقل بعد ذا الدرك، وهذا التطبيق إلى جلب الملائم ودفع المنافر، وهذه هي القوة العمالة للعقل، المستخدمة للقوة الأولى العلامة، ولولاها ثم لولا التطبيق لبقيت مدركات العقل في بوتقة الادراك ولم تتخط إلى الخارج، فالبعث يكون نتيجة الادراك و التطبيق.
ومن هذا ظهر لك: ان موضوع كل من حكمي العقل - أعني حكمه العلامة والعمالة - لا يعقل فيه الاجمال، فان الحاكم لا يضيع عليه موضوع حكمه، وهذا كذلك في حكم سائر القوى، من الشهوية والغضبية، وانما الاجمال يكون في حكم الغير ولا يشتبه على النفس ما في النفس، فالاحسان الذي يدرك العقل ملائمة لا يضيع عليه قيوده الدخيلة فيه، وكذا المصداق الخارجي الذي يحرك نحوه، من