ما تقدم من المصنف مورد قيام الامارة. وعلى ما ذكرناه فالاحتياط الواجب أيضا يكون مشروطا بشرائط سائر الأصول، إلا أن يقال: إن الاحتياط يجب بمجرد حصول العلم الاجمالي، وجواز الفحص لرفع العلم الاجمالي لا يمنع من الوجوب في موضوع العلم الاجمالي.
ثم اعلم: ان الأصول العقلية موضوعها هو عدم الظفر بالتكليف في طريق اعتاده المولى في بيان تكاليفه اعتيادا شخصيا، أو كان عادة النوع، واما الفحص فليس بنفسه عنوانا يعتبر في جريان الأصول، وانما يلزم أحيانا لأجل تحقيق هذا الموضوع. فإذا كانت عادة المولى إيصال التكليف وتسليمه بيد العبد، فبمجرد عدم الوصول يحكم العقل بحكم الأصل، بلا حالة منتظرة، وتوقف على التفتيش والفحص.
وإذا كانت عادته إيداعه في كتاب أو عند شخص أو بيانه بطريق السؤال عنه، احتاج إلى الفحص والتفتيش عن هذه الطرق، لاحتمال وجود التكليف فيها، والعقل لا يعذر العبد في إجراء البراءة لان موضوعها، وهو عدم الظفر بالتكليف في طريق اعتاده المولى، لا يحصل حتى ينظر في ذلك الطريق، ثم لا يظفر بالتكليف فيه. ومن ذلك يظهر ما في كلام المصنف (ره).
قوله: إلا إذا كان موجبا لاختلال النظام:
إن كان اختلال النظام غير مانع عن التكليف، كان الاحتياط على حسنه، وإن كان مانعا، لم يتحقق موضوع الاحتياط بالنسبة إلى التكليف، واما الاحتياط لادراك مصلحة التكليف فليس مصلحته إلا إدراك مصلحة التكليف، وهذا يحصل بالاتيان بالاطراف، وان وقع في محذور أشد ومفسدة أقوى، قائمة في بعض الأطراف. نعم، يلام على إتيان ذي المفسدة بل وإتيان ذي المصلحة أيضا، لان الامر إذا دار بين إتيان الجميع وترك الجميع حكم العقل، مع غلبة مفسدة ذي المفسدة على مصلحة ذي المصلحة، بترك الجميع، فلو خالف وأتى بالجميع يلام على إتيانه، ولكن تترتب على فعل ذي المصلحة مصلحته.
قوله: مع أنه لو لم يكن بهذا الداعي وكان أصل إتيانه:
هذا إذا كان في اختياره