كذلك لا يقتضي وجوب الاحتياط على طبق علمه الاجمالي ما لم يكن التكليف بنفسه مستمرا، فان مجرد تعلق التكليف بأمر مستمر لا يقتضي وجوب إتيان ذلك المستمر في العلم التفصيلي، فضلا عن المقام، بل لا بد من استمرار نفس التكليف أيضا، ونظيره إباحة المالك للتصرف في أمواله أبدا، فان مجرد ذلك لا يوجب حل التصرف أبدا ما لم يستمر الإباحة والرضي بنفسها ولو بالاستصحاب وحينئذ إذا تردد التكليف بين أن يكون متعلقا بفعل كذا وباقيا، وبين أن يكون متعلقا بفعل آخر ومرتفعا. فالحكم الاحتياط بإتيان الطرفين ما دام القطع بالتكليف باقيا، فإذا ارتفع القطع يرجع إلى البراءة، لان علمه الاجمالي ينحل إلى مقدار من التكليف معلوم بالعلم التفصيلي، و مقدار آخر مشكوك بالشك الابتدائي، ولا يضر في ذلك ان التكليف حين ما علم توجهه كان متوجها في أحد الاحتمالين بفعل مستمر لما أشرنا إليه ان مجرد تعلقه بفعل مستمر لا يوجب الاتيان بالفعل مستمرا ما لم يكن التكليف بنفسه مستمرا. واستصحاب كلي التكليف لا يثبت تعلق التكليف بذلك الطرف المستمر تكليفه، وما لم يثبت لا يكون له أثر.
نعم، الاستصحاب يجري إذا تردد تكليف متعلق واحد بين دائم ومنقطع، هذا إذا اضطر إلى واحد معين من الطرفين بعد العلم الاجمالي، اما إذا اضطر إلى واحد غير معين، ففيما ذكرناه من التفصيل: لا فرق في ذلك بين السابق منه على العلم الاجمالي وبين اللاحق. و المصنف أيضا لم يرجع في البحث بالنسبة إلى هذه الصورة عن ما اختاره هنا. وقد صرح بذلك في حاشية منه ألحقها بالكتاب، فراجع.
ثم لا فرق في ما ذكرنا بين أن يرتفع التكليف من أحد الجانبين بالاضطرار أو بسائر الأمور الأخر، مثل الخروج عن محل الابتلاء أو فقد الطرف ولو بشرب أحد الانأين المعلوم خمرية أحدهما. وحينئذ فيشرب الجانب الآخر أيضا، ولا ضير في الالتزام به. فيقال: يجب الاجتناب من الأطراف ما دام العلم الاجمالي باقيا، فإذا زال، ولو بارتكاب بعض الأطراف، جاز ارتكاب البعض الاخر أيضا، ولا وجه للاستبعاد.