هي النفس إذا علم ذهابها بركوب سفينة من سفن العراق أو شرب إناء من الأواني الموجودة في البلد، لم يعتني به العقلا في اجتناب ركوب كل تلك السفن أو شرب كل تلك الأواني، بل يسفهون من اجتنب، ولو ارتكب ووقع في المحذور لم يكن ملوما عندهم، وهذا شاهد على أنه لا تأثير لهذا العلم، وإن تعلق بتكليف فعلي.
نعم، مع هذا الوصف لا يعقل من المولى الحكيم التكليف الفعلي مقتصرا على البيان الاجمالي في أطراف غير محصورة، فان البيان إذا لم يكن باعثا لم يكن يعقل ان يصير مقدمة أمرية رتبها المولى للتوصل إلى حصول مقصوده في الخارج، كما بيناه في المبحث السابق.
وبالنتيجة: لم يعقل علم إجمالي بتكليف فعلي من المولى الحكيم في أطراف غير محصورة، فظهر الفرق بين كل واحد من العلم التفصيلي والعلم الاجمالي في أطراف محصورة، والعلم الاجمالي في أطراف غير محصورة وبين صاحبه، وإن الأول منجز للتكليف بلا مجال للترخيص، والثاني منجز للتكليف مع إمكان الترخيص في بعض الأطراف بالطريق المتقدم، والثالث غير منجز للتكليف رأسا.
قوله: وقد انقدح انه لا وجه لاحتمال:
كما انقدح مما ذكرناه: ان هذا الاحتمال هو المتعين، لكن على الوجه المتقدم، بحل العلم ابتدأ ثم الترخيص في مادة الشك.
قوله: كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين:
الاضطرار إلى غير المعين ليس اضطرارا إلى الحرام ولا يحتمل أن يكون ما اضطر إليه هو الحرام، ولذا لو كان عالما بالحرام تفصيلا وجب أن يختار للارتكاب ذاك الاخر المباح، فالاضطرار المذكور لا يندرج تحت دليل رفع (ما اضطروا)، فيكون التحريم باقيا على حاله غير مرتفع بالاضطرار، وحينئذ نقول: إن الاضطرار المذكور: اما أن يكون اضطرارا مرخصا للارتكاب، أو يكون اضطرارا موجبا له.
فإن كان الأول لم يزد الاضطرار ذلك على إباحة الطرف الآخر بشي، فكان