تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٢٩
الاهتداء إلى ما وراءه أبعد وأبعد «الله لطيف بعباده» أي بر بليغ البر بهم يفيض عليهم من فنون ألطافه مالا بكاد يناله أيدي الأفكار والظنون «يرزق من يشاء» أن يرزقه كيفما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة «وهو القوي» الباهر القدرة الغالب على كل شيء «العزيز» المنيع الذي لا يغلب «من كان يريد حرث الآخرة» الحري في الأصل إلقاء البذر في الأرض يطلق على الزرع الحاصل منه ويستعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتنبيه الاعمال أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة «نزد له في حرثه» نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة إلى سبعمائة فما فوقها «ومن كان يريد» بأعماله «حرث الدنيا» وهو متاعها وطيباتها «نؤته منها» اي شيئا منها حسبما قسمنا له لا ما يريده ويبتغيه «وما له في الآخرة من نصيب» إذ كانت همته مقصورة على الدنيا وقد مر تفصيله في سورة الإسراء «أم لهم شركاء» أي بل ألهم شركاء من الشياطين والهمزة للتقرير والتقريع «شرعوا لهم» بالتسويل «من الدين ما لم يأذن به الله» كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله تعالى وأستاذ الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى إنهن أضللن كثيرا أو تماثيل من سن الضلالة لهم «ولولا كلمة الفصل» أي القضاء السابق بتأخير الجزاء أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة «لقضي بينهم» أي بين الكافرين والمؤمنين أو بين المشركين وشركائهم «وإن الظالمين لهم عذاب أليم» وقرئ بالفتح عطفا على كلمة الفصل أي ولولا كلمة الفصل وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضى بينهم في الدنيا فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة «ترى الظالمين» يوم القيامة والخطاب لكل أحد ممن يصلح له للقصد إلى أن سوء حالهم غير مختص برؤية راء دون راء «مشفقين» خائفين «مما كسبوا» من السيئات «وهو واقع بهم» أي ووباله لاحق بهم لا محالة اشفقوا أو لم يشفقوا أو الجملة حال من ضمير مشفقين أو اعتراض «والذين آمنوا وعملوا
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة