تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٢٦
توصية نوح عليه السلام للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم دينا قديما وتوجيه الخطاب إليه عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيه على انه تعالى شرعه لهم على لسانه عليه الصلاة والسلام «أن أقيموا الدين» أي دين الإسلام الذي هو توحيد الله تعالى وطاعته والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاء وسائر ما يكون الرجل به مؤمنا والمراد بإقامته تعديل أركانه وحفظه من أن يقع فيه زيف أو المواظبة عليه والتشمر له ومحل أن أقيموا إما النصب على أنه بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليها أو الرفع على انه جواب عن سؤال نشأ من إبهام المشروع كأنه قيل وما ذاك فقيل هو إقامة الدين وقيل بدل من ضمير به وليس بذاك لما أنه مع إفضائه إلى خروجه عن حيز الإيحاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستلزم لكون الخطاب في قوله تعالى «ولا تتفرقوا فيه» للأنبياء المذكورين عليهم الصلاة والسلام وتوجيه النهي إلى أممهم تمحل ظاهر مع ان الأظهر أنه متوجه إلى أمته صلى الله عليه وسلم وأنهم المتفرقون كما ستحيط به خبرا اي لا تتفرقوا في الدين الذي هو عبارة عما ذكر من الأصول دون الفروع المختلفة حسب اختلاف الأمم باختلاف الأعصار كما ينطق به قوله تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» وقوله تعالى «كبر على المشركين» شروع في بيان أحوال بعض من شرع لهم ما شرع من الدين القويم أي عظم وشق عليهم «ما تدعوهم إليه» من التوحيد ورفض عبادة الأصنام واستبعدوه حيث قالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب» وقوله تعالى «الله يجتبي إليه من يشاء» استئناف وارد لتحقيق الحق وفيه إشعار بأن منهم من يجيب إلى الدعوة أي الله يجتلب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء أن يجتبيه إليه وهو من صرف اختياره إلى ما دعى إليه كما ينبئ عنه قوله تعالى «ويهدي إليه من ينيب» أي يقبل إليه حيث يمده بالتوفيق والألطاف وقوله تعالى «وما تفرقوا» شروع في بيان أحوال أهل الكتاب عقيب الإشارة الإجمالية إلى أحوال أهل الشرك قال ابن عباس رضي الله عنهما هم اليهود والنصارى لقوله تعالى وما تفرق الذين أوتو الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة أي وما تفرقوا في الدين الذي دعوا إليه ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم «إلا من بعد ما جاءهم العلم» بحقيته بما شاهدوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه في كتابهم أو العلم بمبعثه صلى الله عليه وسلم وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أو من أعم الأوقات أي وما تفرقوا في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات إلا حال مجىء العلم أو إلا وقت مجىء العلم «بغيا بينهم» وحمية وطلبا للرياسة لا لأن لهم في ذلك شبهة «ولولا كلمة سبقت من ربك» وهى العدة بتأخير العقوبة «إلى أجل مسمى» هو يوم القيامة «لقضي بينهم» لأوقع القضاء بينهم باستئصالهم لاستيجاب جناياتهم لذلك قطعا وقوله تعالى «وإن الذين
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة