تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٥
ومن آياته الدالة على شؤونه العظيمة الليل والنهار والشمس والقمر كل منها مخلوق من مخلوقاته مسخر لأمره لا تسجدوا للشمس ولا للقمر لأنهما من جملة مخلوقاته المسخرة لأوامره مثلكم واسجدوا لله الذي خلقهن الضمير للأربعة لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث، أو لأنها عبارة عن الآيات. وتعليق الفعل بالكل مع كفاية بيان مخلوقية الشمس والقمر للإيذان بكمال سقوطهما عن رتبة المسجودية بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراض التي لا قيام لها بذاتها، وهو السر في نظم الكل في سلك آياته تعالى إن كنتم إياه تعبدون فإن السجود أقصى مراتب العبادة فلا بد من تخصيصه به سبحانه. وهو موضع السجود عند الشافعي رحمه الله وعندنا آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى فإن استكبروا عن الامتثال فالذين عند ربك من الملائكة يسبحون له بالليل والنهار أي دائما وهم لا يسأمون لا يفترون ولا يملون. وقرىء لا يسأمون بكسر الياء.
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فإذا أنزلنا عليها الماء أي المطر اهتزت وربت أي تحركت بالنبات وانتفخت، لأن النبت إذا دنا أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات، وقيل: تزخرفت بالنبات. وقرىء ربأت أي ارتفعت إن الذي أحياها بما ذكر بعد موتها لمحيي الموتى بالبعث إنه على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإحياء قدير مبالغ في القدرة.
إن الذين يلحدون يميلون عن الاستقامة. وقرىء يلحدون في آياتنا بالطعن فيها وتحريفها بحملها على المحامل الباطلة لا يخفون علينا فنجازيهم بإلحادهم. وقوله تعالى: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة تنبية على كيفية الجزاء اعملوا ما شئتم من الأعمال المؤدية إلى ما ذكر من الإلقاء في النار والإتيان آمنا، وفيه تهديد شديد إنه بما تعملون بصير فيجازيكم بحسب أعمالكم. وقوله تعالى: إن الذين كفروا بالذكر لما جآءهم بدل من قوله تعالى إن الذين يلحدون الخ وخبر إن هو الخبر السابق وقيل: مستأنف وخبرها محذوف وقال الكسائي: سد مسده الخبر السابق، والذكر القرآن. وقوله تعالى وإنه لكتاب عزيز أي كثير المنافع عديم النظير، أو منيع لا تتأتى معارضته. جملة حالية مفيدة لغاية
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة