«ويعلم ما تسرون وما تعلنون» أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لأنه الذي يدور عليه الجزاء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما وقوله تعالى «والله عليم بذات الصدور» اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من شمول علمه تعالى لسرهم وعلنهم أي هو محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وإظهار الجلالة للإشعار بعلة الحكم وتأكيدا استقلال الجملة قيل وتقديم تقرير القدرة على تقرير العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته بالذات وعلى علمه بما فيه من الإتقان والاختصاص ببعض الأنحاء «ألم يأتكم» أيها الكفرة «نبأ الذين كفروا من قبل» كقوم نوح ومن بعدهم من الأمم المصرة على الكفر «فذاقوا وبال أمرهم» عطف على كفروا والوبال الثقل والشدة المترتبة على امر من الأمور وأمرهم كفرهم عبر عنه بذلك للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة أي ألم يأتكم خبر الذين كفروا من قبل فذاقوا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم في الدنيا «ولهم» في الآخرة «عذاب أليم» لا يقادر قدره «ذلك» أي ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة «بأنه» بسبب أن الشأن «كانت تأتيهم رسلهم بالبينات» أي بالمعجزات الظاهرة «فقالوا» عطف على كانت «أبشر يهدوننا» أي قال كل قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر يهدينا كما قالت ثمود أبشرا منا واحدا نتبعه وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا «فكفروا» اى بالرسل «وتولوا» عن التدبر فيما أتوا به من البينات وعن الإيمان بهم «واستغنى الله» اى أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم ولولا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك «والله غني» عن العالمين فضلا عن إيمانهم وطاعتهم «حميد» يحمده كل مخلوق بلسان الحال أو مستحق للحمد بذاته وإن لم يحمده حامد «زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا» الزعم ادعاء العلم يتعدى إلى مفعولين وقد قام مقامهما أن المخففة مع ما في حيزها والمراد بالموصول كفار مكة أي زعموا أن الشأن لن يبعثوا بعد موتهم أباد «قل» ردا عليهم وأبطالا لزعمهم بإثبات ما نفوه «بلى» أي تبعثون قوله «وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم» أي لتحاسبن ولتجزون بأعمالكم جملة
(٢٥٦)