وقوله تعالى «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا» بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده وهذا صريح في أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال لا عما تقوله المتمدح أو انتحله المنتحل أو أعاده المنافق وأن مناط التعبير والتوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم كما أشير إليه وقرئ يقاتلون بفتح التاء ويقاتلون وصفا مصدر وقع موقع الفاعل أو المفعول نصبه على الحالية من فاعل يقاتلون أي صافين أنفسهم أو مصفوفين وقوله تعالى «كأنهم بنيان مرصوص» حال من المستكن في حال الأولى أي مشبهين في تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه إلى بعض ورصف حتى صار شيئا واحدا وقوله تعالى «وإذ قال موسى لقومه» كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين أي واذكر لهؤلاء المعرضين عن القتال وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسربن فلم يمتثلوا بأمره وعصوه أشد عصيان حيث قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إلى قوله تعالى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون وأصروا على ذلك وآذوه عليه الصلاة والسلام كل الأذية «يا قوم لم تؤذونني» اى بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به وقوله تعالى «وقد تعلمون أني رسول الله إليكم» جملة حالية مؤكدة لانكار الإيذاء ونفى سببه وقد لتحقيق العلم وصيغة المضارع للدلالة على استمراره أي والحال أنكم تعلمون علما قطعيا مستمرا بمشاهدة ما ظهر بيدي من المعجزات القاهرة التي معظمها إهلاك عدوكم وإنجاؤكم من ملكته أنى رسول الله إليكم لأرشدكم إلى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعاظيمى وتسارعوا إلى طاعتي «فلما زاغوا» أي أصروا على الزيغ عن الحق الذي جاء به موسى عليه السلام واستمروا عليه «أزاغ الله قلوبهم» أي صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب لصرف اختيارهم نحو الغى والضلال وقوله تعالى «والله لا يهدي القوم الفاسقين» اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغة ومؤذن بعلته أي لا يهدى القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة إلى ما يوصل إليها فإنها شاملة للكل والمراد بهم إما المذكورون خاصة والإظهار في موقع الإضمار لذمهم بالفسق وتعليل عدم الهدية به أو جنس الفاسقين وهم داخلون ف حكمه دخولا أوليا وأيا ما كان فوصفهم بالفسق ناظر إلى ما في قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين هذا هو الذي تقتضيه جزالة النظم
(٢٤٣)