أي يعذبهم وهو بدل اشتمال أو مفعول خوف فإن إعمال المصدر المنكر كثير كما في قوله عز وجل أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما أو مفعول له بعد حذف اللام وإسناد الفعل إلى فرعون خاصة لأنه الآمر بالتعذيب «وإن فرعون لعال في الأرض» لغالب في أرض مصر «وإنه لمن المسرفين» في الظلم والفساد بالقتل وسفك الدماء أو في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء والجملتان اعتراض تذييلى مؤكد لمضمون ما سبق «وقال موسى» لما رأى تخوف المؤمنين منه «يا قوم إن كنتم آمنتم بالله» أي صدقتم به وبآياته «فعليه توكلوا» وبه ثقوا ولا تخافوا أحدا غيره فإنه كافيكم كل شر وضر «إن كنتم مسلمين» مستسلمين لقضاء الله تعالى مخلصين له وليس هذا من تعليل الحكم بشرطين فإن المعلل بالإيمان وجوب التوكل عليه تعالى فإنه المقتضى له والمشروط بالإسلام وجوده فإنه لا يتحقق مع التخليط ونظيره إن أحسن إليك زيد فأحسن إليه إن قدرت عليه «فقالوا» مجيبين له عليه السلام من غير تلعثم في ذلك «على الله توكلنا» لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين ثم دعوا ربهم قائلين «ربنا لا تجعلنا فتنة» أي موقع فتنة «للقوم الظالمين» أي لا تسلطهم علينا حتى يعذبونا أو يفتنونا عن ديننا أو يفتتنوا بنا ويقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا وقوله تعالى «ونجنا برحمتك من القوم الكافرين» دعاء منهم بالإنجاء من سوء جوارهم وشؤم مصاحبتهم بعد الإنجاء من ظلمهم ولذلك عبر عنهم بالكفر بعد ما وصفوا بالظلم وفي ترتيب الدعاء على التوكل تلويح بأن الداعي حقه أن يبنى دعاءه على التوكل على الله تعالى «وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ» أن مفسرة لأن في الوحي معنى القول أي اتخذا مباءة «لقومكما بمصر بيوتا» تسكنون فيها وترجعون إليها للعبادة «واجعلوا» أنتما وقومكما «بيوتكم» تلك «قبلة» مصلى وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعنى الكعبة فإن موسى عليه السلام كان يصلى إليها «وأقيموا الصلاة» أي فيها أمروا بذلك في أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم «وبشر المؤمنين» بالنصرة في الدنيا إجابة لدعوتهم والجنة في العقبى وإنما ثنى الضمير أولا لأن التبوؤ للقوم واتخاد المعابد مما يتولاه رؤساء القوم بتشاور ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما يفعله كل أحد ثم وحد لأن بشارة الأمة وظيفة صاحب الشريعة ووضع المؤمنين موضع ضمير القوم لمدحهم بالايمان وللإشعار بأنه المدار في التبشير
(١٧١)