والتحامي عن مواقع التهم إلى مبلغ يخفي عليك حالهم مع ما أنت عليه من علو الكعب وسمو الطبقة في كمال الفطنة وصدق الفراسة وفي تعليق نفي العلم بهم مع أنه متعلق بحالهم مبالغة في ذلك وإيماء إلى أن ما هم فيه من صفة النفاق لعراقتهم ورسوخهم فيها صارت بمنزلة ذاتياتهم أو مشخصاتهم بحيث لا يعد من لا يعرفهم بتلك الصفة عالما بهم وحمل عدم علمه صلى الله عليه وسلم بأعيانهم على عدم علمه صلى الله عليه وسلم بعد مجيء هذا البيان على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن فيهم منافقين لكن لا يعلمهم بأعيانهم مع كونه خلاف الظاهر عار عما ذكر من المبالغة وقوله عز وجل «نحن نعلمهم» تقرير لما سبق من مهارتهم في فن النفاق أي لا يقف على سرائرهم المركوزة في ضمائرهم إلا من لا تخفي عليه خافية لما هم عليه من شدة الاهتمام بإبطان الكفر وإظهار الإخلاص وفي تعليق العلم بهم مع أن المقصود بيان تعلقه بحالهم ما مر في تعليق نفيه بهم وقوله عز شأنه «سنعذبهم» وعيد لهم وتحقيق لعذابهم حسبما علم الله فيهم من موجباته والسين للتأكيد «مرتين» عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا يوم الجمعة فقال اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرج ناسا وفضحهم فهذا هو العذاب الأول والثاني إما القتل وإما عذاب القبر أو الأول هو القتل والثاني عذاب القبر أو الأول أخذ الزكاة لما أنهم يعدونها مغرما بحتا والثاني نهك الأبدان وإتعابها بالطاعات الفارغة عن الثواب ولعل تكرير عذابهم لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه ويجوز أن يكون المراد بالمرتين مجرد التكثير كما في قوله تعالى فارجع البصر كرتين أي كرة بعد أخرى «ثم يردون» يوم القيامة «إلى عذاب عظيم» هو عذاب النار وفي تغيير السبك بإسناد عذابهم السابق إلى نون العظمة حسب إسناد ما قبله من العلم وإسناد ردهم إلى العذاب اللاحق إلى أنفسهم إيذان باختلافهما حالا وأن الأول خاص بهم وقوعا وزمانا يتولاه سبحانه وتعالى والثاني شامل لعامة الكفرة وقوعا وزمانا وإن اختلفت طبقات عذابهم «وآخرون» بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمور الدين وهو عطف على منافقون أي ومنهم يعني وممن حولكم ومن أهل المدينة قوم آخرون «اعترفوا بذنوبهم» التي هي تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه والرضا بسوء جوار المنافقين وندموا على ذلك ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة ولم يخفوا ما صدر عنهم من الأعمال السيئة كما فعله من اعتاد إخفاء ما فيه وإبراز ما ينافيه من المنافقين الذين اعتذروا بما لا خير فيه من المعاذير المؤكدة بالأيمان الفاجرة حسب ديدنهم المألوف وهم رهط من المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد عند ما بلغهم ما نزل في المتخلفين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك فسأل عن شأنهم فقيل إنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم فقال صلى الله عليه وسلم وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم فنزلت «خلطوا عملا صالحا» هو ما سبق منهم من الأعمال الصالحة والخروج إلى المغازي السابقة وغيرها وما لحق من
(٩٨)