تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٠٩
التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة وبلغت بهم الشدة إلى أن اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير وفي عسرة من الماء حتى نحروا الإبل واعتصروا فروثها وفي شدة زمان من حمارة القيظ ومن الجدب والقحط والضيقة الشديدة ووصف المهاجرين والأنصار بما ذكر من اتباعهم له عليه الصلاة والسلام في مثل هاتيك المراتب من الشدة للمبالغة في بيان الحاجة إلى التوبة فإن ذلك حيث لم يغنهم عنها فلأن لا يستغني عنها غيرهم أولى وأحرى «من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم» بيان لتناهي الشدة وبلوغها إلى ما لا غاية وراءها وهو إشراف بعضهم على أن يميلوا إلى التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي كاد ضمير الشأن أو ضمير القوم الراجع إليه الضمير في منهم وقرئ بتأنيث الفعل وقرئ من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم يعني المتخلفين من المؤمنين كأبي لبابة وأضرابه «ثم تاب عليهم» تكرير للتأكيد وتنبيه على أنه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة والمراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم «إنه بهم رؤوف رحيم» استئناف تعليلي فإن صفة الرأفة والرحمة من دواعي التوبة والعفو ويجوز كون الأول عبارة عن إزالة الضرر والثاني عن إيصال المنفعة وأن يكون أحدهما للسوابق والآخر للواحق «وعلى الثلاثة الذين خلفوا» أي وتاب الله على الثلاثة الذين أخر أمرهم عن أمر أبي لبابة وأصحابه حيث لم يقبل معذرتهم مثل أولئك ولا ردت ولم يقطع في شأنهم بشيء إلى أن نزل فيهم الوحي وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وقرئ خلفوا أي خلفوا الغازين بالمدينة أو فسدوا من الخالفة وخلوف الفم وقرئ على المخلفين والأول هو الأنسب لأن قوله تعالى «حتى إذا ضاقت عليهم الأرض» غاية للتخليف ولا يناسبه إلا المعنى الأول أي خلفوا وأخر أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض «بما رحبت» أي برحبها وسعتها لإعراض الناس عنهم وانقطاعهم عن مفاوضتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار «وضاقت عليهم أنفسهم» أي إذا رجعوا إلى أنفسهم لا يطمئنون بشيء لعدم الأنس والسرور واستيلاء الوحشة والحيرة «وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه» أي علموا أنه لا ملجأ من سخطه تعالى إلا إلى استغفاره «ثم تاب عليهم» أي وفقهم للتوبة «ليتوبوا» أو أنزل قبول توبتهم ليصيروا من جملة التوابين ورجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم «إن الله هو التواب» المبالغ في قبول التوبة كما وكيفا وإن كثرت الجنايات وعظمت «الرحيم» المتفضل عليهم بفنون الآلاء مع استحقاقهم لأفانين العقاب روي أن ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به صلى الله عليه وسلم عن الحسن رضي الله عنه أنه قال بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيرا من مائة ألف درهم فقال يا حائطاه ما خالفني إلا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فأنت في سبيل الله ولم يكن لآخر إلا أهله فقال يا أهلاه ما بطأني ولا خلفني إلا الفتن بك فلا جرم والله لأكابدن الشدائد حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فتأبط زاده ولحق به صلى الله عليه وسلم قال الحسن رضي الله عنه كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308