كونه حقيقا به إذ لا استحقاق في مسجد الضرار رأسا وإنما عبر عنه بصيغة التفضيل لفضله وكماله في نفسه أو الأفضلية في الاستحقاق المتناول لما يكون باعتبار زعم الباني ومن يشايعه في الاعتقاد وهو الأنسب بما سيأتي «يحبون أن يتطهروا» من المعاصي والخصال الذميمة لمرضاة الله سبحانه وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها «والله يحب المطهرين» أي يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه إدناء المحب حبيبه قيل لما نزلت مشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال أمؤمنون أنتم فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم فقال صلى الله عليه وسلم أترضون بالقضاء قالوا نعم قال صلى الله عليه وسلم أتصبرون على البلاء قالوا نعم قال أتشكرون في الرخاء قالوا نعم قال صلى الله عليه وسلم مؤمنون ورب الكعبة فجلس ثم قال يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط فقالوا نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي صلى الله عليه وسلم فيه رجال يحبون أن يتطهروا وقريء أن يطهروا بالإدغام وقيل هو عام في التطهر عن النجاسات كلها وكانوا يتبعون الماء أثر البول وعن الحسن رضي الله عنه هو التطهر عن الذنوب بالتوبة وقيل يحبون ان يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن أخرهم «أفمن أسس بنيانه» على بناء الفعل للفاعل والنصب وقريء على البناء للمفعول والرفع وقرئ أسس بنيانه على الإضافة جمع أساس وأساس بالفتح والكسر جمع أس وقرئ أساس بنيانه جمع أس أيضا وأس بنيانه وهي جملة مستأنفة مبينة لخيرية الرجال المذكورين من أهل مسجد الضرار والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي أبعد ما علم حالهم من أسس بنيان دينه «على تقوى من الله ورضوان» أي على قاعدة محكمة هي التقوى من الله وابتغاء مرضاته بالطاعة والمراد بالتقوى درجتها الثانية التي هي التوقي عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك وقرئ تقوى بالتنوين على أن الألف للإلحاق دون التأنيث «خير أم من أسس بنيانه» ترك الإضمار للإيذان باختلاف البنيانين ذاتا مع اختلافهما وصفا وإضافة «على شفا جرف هار» الشفا الحرف والشفير والجرف ما جرفه السيل أي استأصله وأحتفر ما تحته فبقى واهيا يريد الانهدام والهار الهائر المتصدع المشرف إلى السقوط من هار يهور ويهار أو هار يهير قدمت لامه على عينه فصار كغاز ورام وقيل حذفت عينه اعتباطا أي بغير موجب فجرى وجوه الإعراب على لامه «فانهار به في نار جهنم» مثل ما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس بما ذكر ثم رشح بانهياره في النار ووضع بمقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى الرضوان ومقتضياته التي أدناها الجنة وتأسيس هذا على ما هو بصدد الوقوع في النار ساعة فساعة ثم مصيرهم إليها لا محالة وقرئ جرف بسكون الراء «والله لا يهدي القوم الظالمين» أي لأنفسهم أو الواضعين للأشياء في غير مواضعها
(١٠٣)