للجزاء بما ظهر منكم من الأعمال ووضع المظهر موضع المضمر لتشديد الوعيد فإن علمه سبحانه وتعالى بجميع أعمالهم الظاهرة والباطنة وإحاطته بأحوالهم البارزة والكامنة مما يوجب الزجر العظيم «فينبئكم» عند ردكم إليه ووقوفكم بين يديه «بما كنتم تعملون» أي بما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الأعمال السيئة السابقة واللاحقة على أن ما موصولة والعائد إليها محذوف أو بعملكم المستمر على أنها مصدرية والمراد بالتنبئة بذلك المجازاة به وإيثارها عليها لمراعاة ما سبق من قوله تعالى قد نبأنا الله الخ فإن المنبأ به الأخبار المتعلقة بأعمالهم وللإيذان بأنهم ما كانوا عالمين في الدنيا بحقيقة أعمالهم وإنما يعلمونها يومئذ «سيحلفون بالله لكم» تأكيد لمعاذيرهم الكاذبة وتقريرا لها والسين للتأكيد والمحلوف عليه محذوف يدل عليه الكلام وهو ما اعتذروا به من الأكاذيب والجملة بدل من يعتذرون أو بيان له «إذا انقلبتم» أي انصرفتم من الغزو «إليهم» ومعنى الانقلاب هو الرجوع والانصراف مع زيادة معنى الوصول والاستيلاء وفائدة تقييد حلفهم به الإيذان بأنه ليس لدفع ما خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم به من قوله تعالى لا تعتذروا الخ بل هو أمر مبتدأ «لتعرضوا» وتصفحوا «عنهم» صفح رضا فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم كما يفصح عنه قوله تعالى لترضوا عنهم «فأعرضوا عنهم» لكن لا إعراض رضا كما هو طلبتهم بل إعراض اجتناب ومقت كما يعرب عنه قوله عز وجل «إنهم رجس» فإنه صريح في أن المراد بالإعراض عنهم إما الاجتناب عنهم لما فيهم من الرجس الروحاني وإما ترك استصلاحهم بترك المعاتبة لأن المقصود بها التطهير بالحمل على الإنابة وهؤلاء أرجاس لا تقبل التطهير فلا يتعرض لهم بها وقوله عز وعلا «ومأواهم جهنم» إما من تمام التعليل فإن كونهم من أهل النار من دواعي الاجتناب عنهم وموجبات ترك استصلاحهم باللوم والعتاب وإما تعليل مستقل أي وكفتهم النار عتابا وتوبيخا فلا تتكلفوا أنتم في ذلك «جزاء» نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر من لفظه وقع حالا أي يجزون جزاء أو لمضمون الجملة السابقة فإنها مفيدة لمعنى المجازاة قطعا كأنه قيل مجزيون جزاء «بما كانوا يكسبون» في الدنيا من فنون السيئات أو على أنه مفعول له «يحلفون لكم» بدل مما سبق وعدم ذكر المحلوف به لظهوره أي يحلفون به تعالى «لترضوا عنهم» بحلفهم وتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم «فإن ترضوا عنهم» حسبما راموا وساعدتموهم في ذلك «فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين» أي فإن رضاكم عنهم لا يجديهم نفعا لأن الله ساخط عليهم ولا أثر لرضاكم عند سخطه سبحانه ووضع الفاسقين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالخروج عن الطاعة المستوجب لما حل بهم من السخط وللإيذان بشمول الحكم لمن شاركهم في ذلك والمراد به نهي المخاطبين عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وآكده فإن الرضا عمن لا يرضى
(٩٤)