«فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي» من بعد فضلا عن إيفائه «ولا تقربون» بدخول بلادي فضلا عن الإحسان في الإنزال والضيافة وهو إما نهى أو نفى معطوف على محل الجزاء وفيه دليل على أنهم كانوا على نية الإمتيار مرة بعد أخرى وأن ذلك كان معلوما له عليه السلام «قالوا سنراود عنه أباه» أي سنخادعه عنه ونحتال في انتزاعه من يده ونجتهد في ذلك وفيه تنبيه على عزة المطلب وصعوبة مناله «وإنا لفاعلون» ذلك غير مفرطين فيه ولا متوانين أو لقادرون عليه لا نتعانى به «وقال» يوسف «لفتيانه» غلمانه الكيالين جمع فتى وقرئ لفتيته وهي جمع قلة له «اجعلوا بضاعتهم في رحالهم» فإنه وكل بكل رحل رجلا يعبى فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما وإنما فعله عليه السلام تفضلا عليهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به مرة أخرى وكل ذلك لتحقيق ما يتوخاه من رجوعهم بأخيه كما يؤذن به قوله «لعلهم يعرفونها» أي يعرفون حق ردها والتكرم في ذلك أو لكي يعرفوها وهو ظاهر التعلق بقوله «إذا انقلبوا إلى أهلهم» فإن معرفتهم لها مقيدة بالرجوع وتفريغ الأوعية قطعا وأما معرفة حق التكرم في ردها فهي وإن كانت في ذاتها غير مقيدة بذلك لكن لما كان ابتداؤها حينئذ قيدت به «لعلهم يرجعون» حسبما أمرتهم به فإن التفضل عليهم بإعطاء البدلين ولا سيما عند إعواز البضاعة من أقوى الدواعي إلى الرجوع وما قيل إنما فعله عليه السلام لما لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمنا فكلام حق في نفسه ولكن يأباه التعليل المذكور وأما أن علية الجعل المذكور للرجوع من حيث إن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة لأنهم لا يستحلون إمساكهم فمداره حسبانهم أنها بقيت في رحالهم نسيانا وظاهر أن ذلك مما لا يخطر ببال أحد أصلا فإن هيئة التعبية تنادي بأن ذلك بطريق التفضل ألا يرى أنهم كيف جزموا بذلك حين رأوها وجعلوا ذلك دليلا على التفضلات السابقة كما ستحيط به خبرا «فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا» قبل أن يشتغلوا بفتح المتاع «يا أبانا منع منا الكيل» أي فيما بعد وفيه ما لا يخفى من الدلالة على أن كون الإمتيار مرة بعد مرة معهودا فيما بينهم وبينه عليه السلام «فأرسل معنا أخانا» بنيامين إلى مصر وفيه إيذان بأن مدار المنع عدم كونه معهم «نكتل» بسببه من الطعام ما نشاء وقرأ حمزة
(٢٨٩)