مستعملة للقوى والآلات في تحصيلها بل إنما ذلك بتوفيق الله تعالى وعصمته ورحمته كما يفيده قوله «إلا ما رحم ربي» من النفوس التي يعصمها من الوقوع في المهالك ومن جملتها نفسي أو هي أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت رحمة ربي وعصمته لها وقيل الاستثناء منقطع أي لكن رحمة ربي هي التي تصرف عنها السوء كما في قوله تعالى ولا هم ينقذون إلا رحمة «إن ربي غفور رحيم» عظيم المغفرة لما يعتري النفوس بموجب طباعها ومبالغ في الرحمة لها بعصمتها من الجريان بمقتضى ذلك وإيثار الإظهار في مقام الإضمار مع التعرض لعنوان الربوبية لتربية مبادى المغفرة والرحمة وقيل إلى هنا من كلام امرأة العزيز والمعنى ذلك الذي قلت ليعلم يوسف عليه السلام أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بما هو الحق الواقع وما أبرىء نفسي مع ذلك من الخيانة حيث قلت في حقه ما قلت وفعلت به ما فعلت إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي أي إلا نفسا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف إن ربي غفور لمن استغفر لذنبه واعترف به رحيم له فعلى هذا يكون تأنيه عليه السلام في الخروج من السجن لعدم رضاه عليه السلام بملاقاة الملك وأمره بين بين ففعل ما فعل حتى يتبين نزاهته وأنه إنما سجن بظلم عظيم مع ما له من الفضل ونباهة الشأن ليتلقاه الملك بما يليق به من الإعظام والإجلال وقد وقع «وقال الملك ائتوني به أستخلصه» أجعله خالصا «لنفسي» وخاصا بي «فلما كلمه» أي فأتوا به فحذف للإيذان بسرعة الإتيان به فكأنه لم يكن بين الأمر بإحضاره والخطاب معه زمان أصلا والضمير المستكن في كلمه ليوسف والبارز للملك أي فلما كلمه يوسف إثر ما أتاه فاستنطقه وشاهد منه ما شاهد «قال إنك اليوم لدينا مكين» ذو مكانة ومنزلة رفيعة «آمين» مؤتمن على كل شيء واليوم ليس بمعيار لمدة المكانة والأمانة بل هو آن التكلم والمراد تحديد مبدئهما احترازا عن احتمال كونهما بعد حين روى أنه عليه السلام لما جاءه الرسول خرج من السجن ودعا لأهله واغتسل ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره وشر غيره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أحب أن أسمع منك رؤياي فحكاها ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوجه راعيل فوجدها عذراء وولدت له إفراييم وميشا ولعل ذلك إنما كان بعد تعيينه عليه السلام لما عين له من أمر الخزائن كما يعرب عنه قوله عز وجل «قال اجعلني على خزائن الأرض» أي أرض مصر أي ولني أمرها من الإيراد والصرف «إني حفيظ» لها ممن لا يستحقها «عليم» بوجوه التصرف فيها وفيه دليل على جواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة وإن كان من يد الجائر أو الكافر وعن مجاهد أنه أسلم الملك على يده
(٢٨٦)