تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٩٣
بما وصاهم به من التدبير «ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم» من الأبواب المتفرقة من البلد قيل كانت له أربعة أبواب فدخلوا منها وإنما أكتفي بذكره لاستلزامه الانتهاء عما نهوا عنه «ما كان» ذلك الدخول «يغني» فيما سيأتي عند وقوع ما وقع «عنهم» عن الداخلين لأن المقصود به استدفاع الضرر عنهم والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل لتحقيق المقارنة الواجبة بين جواب لما ومدخوله فإن عدم الإغناء بالفعل إنما يتحقق عند نزول المحذور لا وقت الدخول وإنما المتحقق حينئذ ما أفاده الجمع المذكور من عدم كون الدخول المذكور مغنيا فيما سيأتي فتأمل «من الله» من جهته «من شيء» أي شيئا مما قضاه عليهم مع كونه مظنة لذلك في بادي الرأي حيث وصاهم به يعقوب عليه السلام وعملوا بموجبه واثقين بجدواه من فضل الله تعالى فليس المراد بيان سببية الدخول المذكور لعدم الإغناء كما في قوله تعالى فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا فإن مجيء النذير هناك سبب لزيادة نفورهم بل بيان عدم سببيته للإغناء مع كونها متوقعة في بادي الرأي كما في قولك حلف أن يعطيني حقي عند حلول الأجل فلما حل لم يعطني شيئا فإن المراد بيان عدم سببية حلول الأجل للإعطاء مع كونها مرجوة بموجب الحلف لا بيان سببيته لعدم الإعطاء فالمآل بيان عدم ترتب الغرض المقصود على التدبير المعهود مع كونه مرجو الوجود لا بيان ترتب عدمه عليه ويجوز أن يراد ذلك أيضا بناء على ما ذكره عليه السلام في تضاعيف وصيته من أنه لا يغني عنهم من الله شيئا فكأنه قيل ولما فعلوا ما وصاهم به لم يفد ذلك شيئا ووقع الأمر حسبما قال عليه السلام فلقوا ما لقوا فيكون من باب وقوع المتوقع فتأمل «إلا حاجة» استثناء منقطع أي ولكن حاجة وحرازة كائنة «في نفس يعقوب قضاها» أي أظهرها ووصاهم بها دفعا للخاطرة غير معتقد أن للتدبير تأثيرا في تغيير التقدير وقد جعل ضمير الفاعل في قضاها للدخول على معنى أن ذلك الدخول قضى حاجة في نفس يعقوب وهي إرادته أن يكون دخولهم من أبواب متفرقة فالمعنى ما كان ذلك الدخول يغني عنهم من جهة الله تعالى شيئا ولكن قضى حاجة حاصلة في نفس يعقوب بوقوعه حسب إرادته فالإستثناء منقطع أيضا وعلى التقديرين لم يكن للتدبير فائدة سوى دفع الخاطرة وأما إصابة العين فإنما لم تقع لكونها غير مقدرة عليهم لا لأنها اندفعت بذلك مع كونها مقتضية عليهم «وإنه لذو علم» جليل «لما علمناه» لتعليمنا إياه بالوحي ونصب الأدلة حيث لم يعتقد أن الحذر يدفع القدر وأن التدبير له حظ من التأثير حتى يتبين الخلل في رأيه عند تخلف الأثر أو حيث بت القول بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا فكان الحال كما قال وفي تأكيد الجملة بأن واللام وتنكير العلم وتعليله بالتعليم المسند إلى ذاته سبحانه من الدلالة على جلالة شأن يعقوب عليه السلام وعلو مرتبة علمه وفخامته ما لا يخفى «ولكن أكثر الناس لا يعلمون» أسرار القدر ويزعمون أنه يغني عنه الحذر وأما ما يقال من أن المعنى لا يعلمون إيجاب الحذر مع أنه لا يغني شيئا من القدر فيأباه مقام بيان تخلف المطلوب عن المبادي
(٢٩٣)
مفاتيح البحث: الضرر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308