تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٩٢
محدثا بل مجرد تحققه ووقوعه من غير إخلال به كما في قولك لأحجن العام إلا أن أحصر فإن مرادك إنما هو الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عن الحج إلا الإخبار بمقارنته لتلك الأحوال على سبيل البدل كما هو مرادك في مثال الصلاة كان اعتبار الأحوال معه من حيث عدم منعها منه فآل المعنى إلى التأويل المذكور «فلما آتوه موثقهم» عهدهم من الله حسبما أراد يعقوب عليه السلام «قال الله على ما نقول» أي على ما قلنا في أثناء طلب الموثق وإيتائه من الجانبين وإيثار صيغة الاستقبال لاستحضار صورته المؤدي إلى تثبتهم ومحافظتهم على تذكره ومراقبته «وكيل» مطلع رقيب يريد به عرض ثقته بالله تعالى وحثهم على مراعاة ميثاقهم «وقال» ناصحا لهم لما أزمع على إرسالهم جميعا «يا بني لا تدخلوا» مصر «من باب واحد» نهاهم عن ذلك حذارا من إصابة العين فإنهم كانوا ذوي جمال وشارة حسنة وقد كانوا تجملوا في هذه الكرة أكثر مما في المرة الأولى وقد اشتهروا في مصر بالكرامة والزلفى لدى الملك بخلاف النوبة الأولى فكانوا مئنة لدنو كل ناظر وطموح كل طامح وإصابة العين بتقدير العزيز الحكيم ليست مما ينكر وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم إن العين حق وعنه صلى الله عليه وسلم إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وقد كان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسنين رضي الله عنهما بقوله أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة وكان صلى الله عليه وسلم يقول كان أبوكما يعوذ بها إسماعيل وإسحاق عليهم السلام رواه البخاري في صحيحه وقد شهدت بذلك التجارب ولما لم يكن عدم الدخول من باب واحد مستلزما للدخول من أبواب متفرقة وكان في دخولهم من بابين أو ثلاثة بعض ما في الدخول من باب واحد من نوع اجتماع مصحح لوقوع المحذور قال «وادخلوا من أبواب متفرقة» بيانا لما هو المراد بالنهي وإنما لم يكتف بهذا الأمر مع كونه مستلزما له إظهار لكمال العناية وإيذانا بأنه المراد بالأمر المذكور لا تحقيق لشيء آخر «وما أغني عنكم» أي لا أنفعكم ولا أدفع عنكم بتدبيري «من الله من شيء» أي شيئا مما قضى عليكم فإن الحذر لا يمنع القدر ولم يرد به عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة كيف لا وقد قال عز قائلا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقال خذوا حذركم بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير في الجملة وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله تعالى وهرب منه إليه «إن الحكم» مطلقا «إلا لله» لا يشاركه أحد ولا يمانعه شيء «عليه» لا على أحد سواه «توكلت» في كل ما آتي وأذر وفيه دلالة على أن ترتيب الأسباب غير مخل بالتوكل «وعليه» دون غيره «فليتوكل المتوكلون» جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة مع تقديم الصلة للاختصاص مقيدا بالواو وعطف فعل غيره من تخصيص التوكل بالله عز وجل على فعل نفسه وبإلقاء سببية فعله لكونه نبيا لفعل غيره من المقتدين به فيدخل فيهم بنوه دخولا أوليا وفيه ما لا يخفى من حسن هدايتهم وإرشادهم إلى التوكل فيما هم بصدده على الله عز وجل غير مغترين
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308