تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٨
المعروفين بالإهلاك بسبب جرائمهم لزيادة تقبيح حالهم وللتنبيه على أن ذلك سنة مطردة فيما بين الأمم المهلكة أي شأنهم الذي استمروا عليه مما فعلوا وفعل بهم من الأخذ كدأب آل فرعون المشهورين بقباحة الأعمال وفظاعة العذاب والنكال «والذين من قبلهم» أي من قبل آل فرعون من الأمم التي فعلوا من المعاصي ما فعلوا ولقوا من العقاب ما لقوا كقوم نوح وعاد وأضرابهم من أهل الكفر والعناد وقوله تعالى «كفروا بآيات الله» تفسير لدأبهم الذي فعلوه لا لدأب آل فرعون ونحوهم كما قيل فإن ذلك معلوم منه بقضية التشبيه وقوله تعالى «فأخذهم الله» تفسير لدأبهم الذي فعل بهم والفاء لبيان كونه من لوازم جناياتهم وتبعاتها المتفرعة عليها وقوله تعالى «بذنوبهم» لتأكيد ما أفاده الفاء من السببية مع الإشارة إلى أن لهم مع كفرهم ذنوبا أخر لها دخل في استتباع العقاب ويجوز أن يكون المراد بذنوبهم معاصيهم المتفرعة على كفرهم فتكون الباء للملابسة أي فأخذهم ملتبسين بذنوبهم غير تائبين عنها فدأبهم مجموع ما فعلوا وفعل بهم لا ما فعلوه فقط كما قيل قال ابن عباس رضي الله عنهما إن آل فرعون أيقنوا أن موسى عليه السلام نبي الله فكذبوه كذلك هؤلاء جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق فكذبوه فأنزل الله تعالى بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون وجعل العذاب من جملة وأبهم مع أنه ليس مما يتصور مداومتهم عليه واعتيادهم إياه كما هو المعتبر في مدلول الدأب إما لتغليب ما فعلوه على ما فعل بهم أو لتنزيل مداومتهم على ما يوجبه من الكفر والمعاصي منزلة مداومتهم عليه لما بينهما من الملابسة التامة وقوله تعالى «إن الله قوي شديد العقاب» اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ وقوله تعالى «ذلك» الخ استئناف مسوق لتعليل ما يفيد النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطا بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضيه وهو المشار إليه لا نفس ما حل بهم من العذاب والانتقام كما قيل فإنه مع كونه معللا بما ذكر من كفرهم وذنوبهم لا يتصور تعليله بجريان عادته تعالى على عدم تغيير نعمته على قوم قبل تغييرهم لحالهم وتوهم أن السبب ليس ما ذكر كما هو منطوق النظم الكريم بل ما يستفاد من مفهوم الغاية من جريان عادته تعالى على تغيير نعمتهم عند تغيير حالهم بناء على تخيل أن المعلل ترتب عقابهم على كفرهم من غير تخلف عنه ركوب شطط هائل وإبعاد عن الحق بمراحل وتهوين لأمر الكفر بآيات الله وإسقاط له عن رتبة إيجاب العقاب في مقام تهويله والتحذير منه فالمعنى ذلك أي ترتب العقاب على أعمالهم السيئة دون أن يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك «بأن الله» أي بسبب أنه تعالى «لم يك» في حد ذاته «مغيرا نعمة أنعمها» أي لم ينبغ له سبحانه ولم يصح في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أنعم بها «على قوم» من الأقوام أي نعمة كانت جلت أو هانت «حتى يغيروا ما بأنفسهم» من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم بالنعمة ويتصفوا بها ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو قريبة من
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308