رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله تعالى «ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد» أي لو تواعدتم أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من الله عز وجل خارقا للعادات فيزدادوا إيمانا وشكر وتطمئن نفوسهم بفرض الخمس «ولكن» جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد «ليقضي الله أمرا كان مفعولا» حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه وقهر أعدائه أو مقدرا في الأزل وقوله تعالى «ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة» بدل منه أو متعلق بمفعولا أي ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن بينة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة أو ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإيمان والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة أو من حاله في علم الله تعالى الهلاك والحياة وقرئ ليهلك بالفتح وحي بفك الإدغام حملا على المستقبل «وإن الله لسميع عليم» أي بكفر من كفر وعقابه وإيمان من آمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد «إذ يريكهم الله في منامك قليلا» منصوب باذكر أو بدل آخر من يوم الفرقان أو متعلق بعليم أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبر به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم «ولو أراكهم كثيرا لفشلتم» أي لجبنتم وهبتم الإقدام «ولتنازعتم في الأمر» أي أمر القتال وتفرقت آراؤكم في الثبات والفرار «ولكن الله سلم» أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع «إنه عليم بذات الصدور» يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر 2 «وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا» منصوب بمضمر خوطب به الكل بطريق التلوين والتعميم معطوف على المضمر السابق والضميران مفعولا يرى وقليلا حال من الثاني وإنما قللهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة تثبيتا لهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم «ويقللكم في أعينهم» حتى قال أبو جهل إنما أصحاب محمد أكلة جزور قللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يستعدوا لهم ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا وهذه من عظائم آيات تلك الوقعة فإن البصر قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد وإنما ذلك بصد الله تعالى الأبصار عن إبصار بعض دون بعض مع التساوي
(٢٤)