وعند مالك رحمه الله الأمر فيه مفوض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء وإن رأي أعطاه بعضا منهم دون بعض وإن رأي غيرهم أولى وأهم فغيرهم وتعلق أبو العالية بظاهر الآية الكريمة فقال يقسم ستة أسهم ويصرف سهم الله تعالى إلى رتاج الكعبة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ منه قبضة فيجعلها لمصالح الكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم وقيل سهم الله لبيت المال وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا شأن الخمس وأما الأخماس الأربعة فتقسم بين الغانمين للراجل سهم وللفارس سهمان عند أبي حنيفة رضي الله عنه وثلاثة أسهم عندهما رحمهما الله قال القرطبي لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي دل ذلك على أنه ملك للغانمين وقوله تعالى «إن كنتم آمنتم بالله» متعلق بمحذوف ينبيء عنه المذكور أي إن كنتم آمنتم به تعالى فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به إلى الله تعالى فاقطعوا أطماعكم منه واقتنعوا بالأخماس الأربعة ليس المراد به مجرد العلم بذلك بل العلم المشفوع بالعمل والطاعة لأمره تعالى «وما أنزلنا» عطف على الاسم الجليل أي إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلناه «على عبدنا» وقرئ عبدنا وهو اسم جمع أريد به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فإن بعض ما نزل نازل عليهم بالذات كما ستعرفه «يوم الفرقان» يوم بدر سمى به لفرقه بين الحق والباطل وهو منصوب بأنزلنا أو بآمنتم «يوم التقى الجمعان» أي الفريقان من المؤمنين والكافرين وهو بدل من يوم الفرقان أو منصوب بالفرقان والمراد ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم يومئذ من الوحي والملائكة والفتح على أن المراد بالإنزال مجرد الإيصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا وجعل الإيمان بإنزال هذه الأشياء من موجبات العلم بكون الخمس لله تعالى على الوجه المذكور من حيث إن الوحي ناطق بذلك وإن الملائكة والفتح لما كانا من جهته تعالى وجب أن يكون ما حصل بسببهما من الغنيمة مصروفة إلى الجهات التي عينها الله تعالى «والله على كل شيء قدير» يقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم «إذ أنتم بالعدوة الدنيا» بدل ثان من يوم الفرقان والعدوة بالضم شط الوادي كذا بالفتح والكسر وقد قرئ بهما أيضا «وهم بالعدوة القصوى» أي البعدي من المدينة وهي تأنيث الأقصى وكان القياس قلب الواو ياء كالدنيا والعليا مع كونهما من بنات الواو لكنها جاءت على الأصل كالقود واستصوب وهو أكثر استعمالا من القصيا «والركب» أي العير أو قوادها «أسفل منكم» أي في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل وهو نصب على الظرفية واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت
(٢٣)