العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وقوله تعالى فذوقوه اعتراض وسط بين المعطوفين للتهديد والضمير على الأول لنفس المشار إليه وعلى الثاني لما في ضمنه وقد ذكر في إعراب الآية الكريمة وجوه أخر مدار الكل على أن المراد بالعقاب ما أصابهم عاجلا والله تعالى أعلم وقرئ بكسر أن على الاستئناف «يا أيها الذين آمنوا» خطاب للمؤمنين بحكم كلي جار فيما سيقع من الوقائع والحروب جيء به في تضاعيف القصة إظهارا للاعتناء بشأنه ومبالغة في حضهم على المحافظة عليه «إذا لقيتم الذين كفروا زحفا» الزحف الدبيب يقال زحف الصبي زحفا إذا دب على أسته قليلا قليلا سمى به الجيش الداهم المتوجه إلى العدو لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف وذلك لأن الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس إليه في غاية البطء وإن كانت في نفس الأمر على غاية السرعة قال قائلهم [وأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لجاج والركاب تهملج] * ونصبه إما على حال من مفعول لقيتم أي زاحفين نحوكم وإما على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال منه أي يزحفون زحفا وأما كونه حالا من فاعله أو منه ومن مفعوله معا كما قيل فيأباه قوله تعالى «فلا تولوهم الأدبار» إذ لا معنى لتقييد النهي عن الأدبار بتوجههم السابق إلى العدو أو بكثرتهم بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الأدبار عادة والمحوج إلى النهي عنه وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين حيث تولوا مدبرين وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا بعيد والمعنى إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قلتكم فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم «ومن يولهم يومئذ» أي يوم اللقاء «دبره» فضلا عن الفرار وقريء بسكون الباء «إلا متحرفا لقتال» إما بالتوجه إلى قتال طائفة أخرى أهم من هؤلاء وإما بالفر للكر بأن يخيل عدوه أنه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده أو مع من في الكمين من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها «أو متحيزا إلى فئة» أي منحازا إلى جماعة أخرى من المؤمنين لينضم إليهم ثم يقاتل معهم العدو عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن سرية فروا وأنا معهم فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا ودخلوا البيوت فقلت يا رسول الله نحن الفرارون فقال صلى الله عليه وسلم بل أنتم العكارون أي الكرارون من عكر أي رجع وأنا فئتكم وانهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين هلكت ففررت من الزحف فقال رضي الله عنه أنا فئتك ووزن متحيز متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يجوز وانتصابهما إما على الحالية وإلا لغولا عمل لها وإما على الاستثناء من المولين أي ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا «فقد باء» أي رجع «بغضب» عظيم لا يقادر قدره ومن في قوله
(١٢)