لهم إلى مسلك الهداية بأن اللائق لكل أحد أن لا يبت القول إلا فيما يعلمه يقينا ويبنى أموره على الشواهد الظاهرة ولا يجازف فيما ليس فيه على بينة ظاهرة «إني إذا» أي إذا قلت ذلك «لمن الظالمين» لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم أو من الظالمين لأنفسهم بذلك فإن وباله راجع إلى أنفسهم وفيه تعريض بأنهم ظالمون في إزدرائهم واسترذالهم وقيل إذا قلت شيئا مما ذكر من ادعاه الملكية وعلم الغيب وحيازة الخزائن وهو بعيد لأن تبعه تلك الأقوال مغنية عن التعليل بلزوم الإنتظام في زمرة الظالمين «قالوا يا نوح قد جادلتنا» خاصمتنا «فأكثرت جدالنا» أي أطلته أو اتيته بأنواعه فإن إكثار الجدال يتحقق بعد وقوع أصله فلذلك عطف عليه بالفاء أو أردت ذلك فأكثرته كما في قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ولما حجهم صلى الله عليه وسلم وأبرز لهم بينات واضحة المدلول وحججا تتلقاها العقول بالقبول وألقمهم الحجر برد شبههم الباطلة ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل وقالوا «فأتنا بما تعدنا» من العذاب الذي أشير إليه في قوله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم على تقدير أن لا يكون المراد باليوم يوم القيامة «إن كنت من الصادقين» فيما تقول «قال إنما يأتيكم به الله إن شاء» يعني أن ذلك ليس موكولا إلى ولا هو مما يدخل تحت قدرتي وإنما يتولاه الله الذي كفرتم به وعصيتموه يأتيكم به عاجلا أو آجلا إن تعلق به مشيئته التابعة للحكمة وفيه ما لا يخفى من تهويل الموعود فكأنه قيل الإتيان به أمر خارج عن دائرة القوى البشرية وإنما يفعله الله عز وجل «وما أنتم بمعجزين» بالهرب أو بالمدافعة كما تدافعونني في الكلام «ولا ينفعكم نصحي» النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من قول أو فعل وحقيقته إمحاض إرادة الخير والدلالة عليه ونقيضه الغش وقيل هو إعلام موقع الغي ليتقي وموضع الرشد ليقتفي «إن أردت أن أنصح لكم» شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه والتقدير إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي وهذه الجملة دليل على ما حذف من جواب قوله تعالى «إن كان الله يريد أن يغويكم» والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي هذا على ما ذهب إليه البصريون من عدم تقديم الجزاء على الشرط وأما على ما ذهب إليه الكوفيون من جوازه فقوله عز وعلا ولا ينفعكم نصحي جزاء للشرط الأول والجملة جزاء للشرط الثاني وعلى التقديرين فالجزاء متعلق بالشرط الأول وتعلقه به معلق بالشرط الثاني وهذا الكلام متعلق بقولهم قد جادلتنا فأكثرت جدالنا صدر عنه صلى الله عليه وسلم إظهار للعجز عن إلزامهم بالحجج والبينات لتماديهم في العناد وإيذانا بأن ما سبق منه ليس بطريق الجدال والخصام بل
(٢٠٤)