عجز أنفسهم يكون عجزهم أظهر وأوضح واعلموا أيضا أن آلهتكم بمعزل عن رتبة الشركة في الألوهية وأحكامها فهل أنتم داخلون في الإسلام إذ لم يبق بعد شائبة شبهة في حقيته وفي بطلان ما كنتم فيه من الشرك فيدخل فيه الإذعان لكون القرآن من عند الله تعالى دخولا أوليا أو منقادون للحق الذي هو كون القرآن من عند الله تعالى وتاركون لما كنتم فيه من المكابرة والعناد وفي هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر وإقناط من أن يجيرهم آلهتهم من بأس الله عز سلطانه هذا والأول أنسب لما سلف من قوله تعالى وضائق به صدرك ولما سيأتي من قوله تعالى فلا تك في مرية منه وأشد ارتباطا بما يعقبه كما ستحيط به خبرا «من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها» أي ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وكثرة الأولاد والرياسة وغير ذلك والمراد بالإرادة ما يحصل عند مباشرة الأعمال لا مجرد الإدارة القلبية لقوله تعالى «نوف إليهم أعمالهم فيها» وإدخال كان عليه للدلالة على استمرارها منهم بحيث لا يكادون يريدون الآخرة أصلا وليس المراد بأعمالهم أعمال كلهم فإنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل أحد ينال كل ما يهواه فإن ذلك منوط بالمشيئة الجارية على قضية الحكمة كما نطق به قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ولا كل أعمالهم بل بعضها الذي يترتب عليه الأمور المذكورة بطريق الأجر والجزاء من أعمال البر وقد أطلقت وأريد بها ثمراتها فالمعنى نوصل إليهم ثمرات أعمالهم في الحياة الدنيا كاملة وقرئ يوف على الإسناد إلى الله عز وجل وتوف بالفوقانية على البناء للمفعول ورفع أعمالهم وقرئ نوفي بالتخفيف والرفع لكون الشرط ماضيا كقوله * وإن أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب ما لي ولا حرم * «وهم فيها» أي في الحياة الدنيا «لا يبخسون» أي لا ينقصون وإنما عبر عن ذلك بالبخس الذي هو نقص الحق مع أنه ليس لهم شائبة حق فيما أوتوه كما عبر عن إعطائه بالتوفية التي هي إعطاء الحقوق مع أن أعمالهم بمعزل عن كونها مستوجبة لذلك بناء للأمر على ظاهر الحال ومحافظة على صور الأعمال ومبالغة في نفي النقص كأن ذلك نقص لحقوقهم فلا يدخل تحت الوقوع والصدور عن الكريم أصلا والمعنى إنهم فيها خاصة لا ينقصون ثمرات أعمالهم وأجورها نقصا كليا مطردا ولا يحرمونها حرمانا كليا وما في الآخرة فهم في الحرمان المطلق واليأس المحقق كما ينطق به قوله تعالى «أولئك» الخ فإنه إشارة إلى المذكورين باعتبار إرادتهم الحياة الدنيا أو باعتبار توفيتهم أجورهم من غير بخس أو باعتبارهما معا وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في سوء الحال لأي أولئك المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات أعمالهم من غير بخس «الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار» لأن هممهم كانت مصروفة إلى الدنيا وأعمالهم مقصورة على تحصيلها وقد
(١٩٣)