تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١٩٣
عجز أنفسهم يكون عجزهم أظهر وأوضح واعلموا أيضا أن آلهتكم بمعزل عن رتبة الشركة في الألوهية وأحكامها فهل أنتم داخلون في الإسلام إذ لم يبق بعد شائبة شبهة في حقيته وفي بطلان ما كنتم فيه من الشرك فيدخل فيه الإذعان لكون القرآن من عند الله تعالى دخولا أوليا أو منقادون للحق الذي هو كون القرآن من عند الله تعالى وتاركون لما كنتم فيه من المكابرة والعناد وفي هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر وإقناط من أن يجيرهم آلهتهم من بأس الله عز سلطانه هذا والأول أنسب لما سلف من قوله تعالى وضائق به صدرك ولما سيأتي من قوله تعالى فلا تك في مرية منه وأشد ارتباطا بما يعقبه كما ستحيط به خبرا «من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها» أي ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وكثرة الأولاد والرياسة وغير ذلك والمراد بالإرادة ما يحصل عند مباشرة الأعمال لا مجرد الإدارة القلبية لقوله تعالى «نوف إليهم أعمالهم فيها» وإدخال كان عليه للدلالة على استمرارها منهم بحيث لا يكادون يريدون الآخرة أصلا وليس المراد بأعمالهم أعمال كلهم فإنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل أحد ينال كل ما يهواه فإن ذلك منوط بالمشيئة الجارية على قضية الحكمة كما نطق به قوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ولا كل أعمالهم بل بعضها الذي يترتب عليه الأمور المذكورة بطريق الأجر والجزاء من أعمال البر وقد أطلقت وأريد بها ثمراتها فالمعنى نوصل إليهم ثمرات أعمالهم في الحياة الدنيا كاملة وقرئ يوف على الإسناد إلى الله عز وجل وتوف بالفوقانية على البناء للمفعول ورفع أعمالهم وقرئ نوفي بالتخفيف والرفع لكون الشرط ماضيا كقوله * وإن أتاه خليل يوم مسغبة * يقول لا غائب ما لي ولا حرم * «وهم فيها» أي في الحياة الدنيا «لا يبخسون» أي لا ينقصون وإنما عبر عن ذلك بالبخس الذي هو نقص الحق مع أنه ليس لهم شائبة حق فيما أوتوه كما عبر عن إعطائه بالتوفية التي هي إعطاء الحقوق مع أن أعمالهم بمعزل عن كونها مستوجبة لذلك بناء للأمر على ظاهر الحال ومحافظة على صور الأعمال ومبالغة في نفي النقص كأن ذلك نقص لحقوقهم فلا يدخل تحت الوقوع والصدور عن الكريم أصلا والمعنى إنهم فيها خاصة لا ينقصون ثمرات أعمالهم وأجورها نقصا كليا مطردا ولا يحرمونها حرمانا كليا وما في الآخرة فهم في الحرمان المطلق واليأس المحقق كما ينطق به قوله تعالى «أولئك» الخ فإنه إشارة إلى المذكورين باعتبار إرادتهم الحياة الدنيا أو باعتبار توفيتهم أجورهم من غير بخس أو باعتبارهما معا وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في سوء الحال لأي أولئك المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات أعمالهم من غير بخس «الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار» لأن هممهم كانت مصروفة إلى الدنيا وأعمالهم مقصورة على تحصيلها وقد
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308