تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
قرأه أبو عمرو بها وانتصابه على الظرفية على حذف المضاف أي وقت حدوث بادي الرأي والعامل فيه اتبعك وإنما استرذلوهم مع كونهم أولي الألباب الراجحة لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا الحياة الدنيا كان الأشرف عندهم الأكثر منها حظا والأرذل من حرمها ولم يفقهوا أن ذلك لا يزن عند الله جناح بعوضة وأن النعيم إنما هو نعيم الآخرة والأشرف من فاز به والأرذل من حرمه نعوذ بالله تعالى من ذلك «وما نرى لكم» أي لك ولمتبعيك فغلب المخاطب على الغائبين «علينا من فضل» يعنون أن اتباعهم لك لا يدل على نبوتك ولا يجديهم فضيلة تستتبع اتباعنا لكم واقتصارهم ههنا على ذكر عدم رؤية الفضل بعد تصريحهم برذالتهم فيما سبق باعتبار حالهم السابق واللاحق ومرادهم أنهم كانوا أراذل قبل اتباعهم لك ولا نرى فيهم وفيك بعد الاتباع فضيلة علينا «بل نظنكم كاذبين» جميعا لكون كلامكم واحدا ودعواكم واحدة أو إياك في دعوى النبوة وإياهم في تصديقك واقتصارهم على الظن احتراز منهم عن نسبتهم إلى المجازفة ومجاراة معه صلى الله عليه وسلم بطريق الإراءة على نهج الإنصاف «قال يا قوم أرأيتم» أي أخبروني وفيه إيماء إلى ركاكة رأيهم المذكور «إن كنت على بينة» برهان ظاهر «من ربي» وشاهد يشهد بصحة دعواي «وآتاني رحمة من عنده» هي النبوة ويجوز أن تكون هي البينة نفسها جيء بها إيذانا بأنها مع كونها بينة من الله تعالى رحمة ونعمة عظيمة من عنده فوجه إفراد الضمير في قوله تعالى «فعميت عليكم» حينئذ ظاهر وإن أريد بها النبوة وبالبينة البرهان الدال على صحتها فالإفراد لإرادة كل واحدة منهما أو لكون الضمير للبينة والاكتفاء بذلك لاستلزام خفائها خفاء النبوة أو لتقدير فعل آخر بعد البينة ومعنى عميت أخفيت وقريء عميت ومعناه خفيت وحقيقته أن الحجة كما تجعل مبصرة وبصيرة تجعل عمياء لأن الأعمى لا يهتدي ولا يهدى غيره وفي قراءة أبي فعماها عليكم على الإسناد إلى الله عز وجل «أنلزمكموها» أي أنكرهكم على الاهتداء بها وهو جواب أرأيتم وساد مسد جواب الشرط وقرأ أبو عمرو بإخفاء حركة الميم وحيث اجتمع ضميران منصوبان وقد قدم أعرفهما جاز في الثاني الوصل والفصل فوصل كما في قوله تعالى فسيكفيكهم الله «وأنتم لها كارهون» لا تختارونها ولا تتأملون فيها ومحصول الجواب أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة دعواي إلا أنها خافية عليكم مسلمة عندكم أيمكننا أن نكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين فيها أي لا يكون ذلك وظاهره مشعر بصدوره عنه صلى الله عليه وسلم بطريق إظهار اليأس عن إلزامهم والقعود عن محاجتهم كقوله تعالى ولا ينفعكم نصحي الخ لكنه محمول على أن مراده صلى الله عليه وسلم ردهم عن الإعراض عنها وحثهم على التدبر فيها بصرف الإنكار إلى الإلزام حال كراهتهم لها لا إلى الإلزام مطلقا هذا ويجوز أن يكون المراد بالبينة دليل العقل الذي هو ملاك الفضل وبحسبه يمتاز أفراد البشر بعضها من بعض وبه يناط الكرامة عند الله عز وجل والإجتباء للرسالة وبالكون عليها التمسك به والثبات
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308