على التجدد والاستمرار أو تتسافهون على المؤمنين بنسبتهم إلى الخساسة «ويا قوم من ينصرني من الله» يدفع حلول سخطه عني «إن طردتهم» فإن ذلك أمر لا مرد له لكون الطرد ظلما موجبا لحلول السخط قطعا وإنما لم يصرح به إشعارا بأنه غني عن البيان لا سيما عما قدم ما يلوح به من أحوالهم فكأنه قيل من يدفع عني غضب الله تعالى إن طردتهم وهم بتلك المثابة من الكرامة والزلفى كما ينبيء عنه قوله تعالى «أفلا تذكرون» أي أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل المذكور فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا أن ما تأتونه بمعزل عن الصواب ولكون هذه العلة مستقبلة بوجه مخصوص ظاهر الدلالة على وجوب الامتناع عن الطرد أفردت عن التعليل السابق وصدرت بيا قوم «ولا أقول لكم» حين ادعى النبوة «عندي خزائن الله» أي رزقه وأمواله حتى تستدلوا بعدمها على كذبي بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين فإن النبوة أعز من أن تنال بأسباب دنيوية ودعواها بمعزل عن ادعاء المال والجاه «ولا أعلم الغيب» أي لا أدعي في قولي إني لكم نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم علم الغيب حتى تسارعوا إلى الإنكار والإستبعاد «ولا أقول إني ملك» حتى تقولوا ما نراك إلا بشرا مثلنا فإن البشرية ليست من موانع النبوة بل من مباديها يعني إنكم اتخذتم فقدان هذه الأمور الثلاثة ذريعة إلى تكذيبي والحال أني لا أدعي شيئا من ذلك ولا الذي أدعيه يتعلق بشيء منها وإنما يتعلق بالفضائل النفسانية التي بها تتفاوت مقادير البشر «ولا أقول» مساعدة لكم كما تقولون «للذين تزدري أعينكم» أي تقتحمهم وتحتقرهم من زراه إذا عابه وإسناد الازدراء إلى أعينهم بالنظر إلى قولهم وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا وإما للإشعار بأن ذلك القصور نظرهم ولو تدبروا في شأنهم ما فعلوا ذلك اي لا أقول في شأن الذين استرذلتموهم لفقرهم من المؤمنين «لن يؤتيهم الله خيرا» في الدنيا أو في الآخرة فعسى الله أن يؤتيهم خيري الدارين إن قلت هذا القول ليس مما تستنكره الكفرة ولا مما يتوهمون صدوره عنه صلى الله عليه وسلم أصالة أو استتباعا كادعاء الملكية وعلم الغيب وحيازه الخزائن مما نفاه صلى الله عليه وسلم عن نفسه بطريق التبرؤ والتنزه عنه فمن أي وجه عطف نفيه على نفيها قلت من جهة أن كلا النفيين رد لقياسهم الباطل الذي تمسكوا به فيما سلف فإنهم زعموا أن النبوة تستتبع الأمور المذكورة وأنها لا تتسنى ممن ليس على تلك الصفات فإن العثور على مكانها واغتنام مغانهما ليس من دأب الأراذل فأجاب صلى الله عليه وسلم بنفي ذلك جميعا فكأنه قال لا أقول وجود تلك الأشياء من مواجب النبوة ولا عدم المال والجاه من موانع الخير «الله أعلم بما في أنفسهم» من الإيمان وإنما اقتصر على نفي القول المذكور مع أنه صلى الله عليه وسلم جازم بأن الله سبحانه سيؤتيهم خيرا عظيما في الدارين وأنهم على يقين راسخ في الإيمان جريا على سنن الأنصاف مع القوم واكتفاء بمخالفة كلامهم وإرشادا
(٢٠٣)