لو عكس الترتيب لربما توهم أن المراد هو المماثلة في الافتراء والمعنى فأتوا بعشر سور مماثلة له في البلاغة مختلقات من عند أنفسكم إن صح أن اختلقته من عندي فإنكم أقدر على ذلك مني لأنكم عرب فصحاء بلغاء قد مارستم مبادى ذلك من الخطب والأشعار وحفظتم الوقائع والأيام وزاولتم أساليب النظم والنثر «وادعوا» للاستظهار في المعارضة «من استطعتم» دعاءه والاستعانة به من آلهتكم التي تزعمون أنها ممدة لكم في كل ما تأتون وما تذرون والكهنة ومدارهكم الذين تلجئون إلى آرائهم في الملمات ليسعدوكم فيها «من دون الله» متعلق بادعوا أي متجاوزين الله تعالى «إن كنتم صادقين» في إني افتريته فإن ذلك يستلزم إمكان الإتيان بمثله وهو أيضا يستلزم قدرتكم عليه والجواب محذوف يدل عليه المذكور «فإن لم يستجيبوا لكم» أي فإن لم يفعلوا ما كلفوه من الإتيان بمثله كقوله تعالى فإن لم تفعلوا وإنما عبر عنه بالاستجابة إيماء إلى أنه صلى الله عليه وسلم على كمال أمن من أمره كأن أمره لهم بالإتيان بمثله دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه والضمير في لكم للرسول صلى الله عليه وسلم والجمع للتعظيم كما في قول من قال * وإن شئت حرمت النساء سواكم * أوله وللمؤمنين لأنهم أتباع له صلى الله عليه وسلم في الأمر بالتحدي وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم ان لا ينفكوا عنه صلى الله عليه وسلم ويناصبوا معه لمعارضة المعارضين كما كان يفعلونه في الجهاد وإرشاد إلى أن ذلك مما يفيد الرسوخ في الإيمان والطمأنينة في الإيقان ولذلك رتب عليه قوله عز وجل فاعلموا أي اعلموا حين ظهر لكم عجزهم عن المعرضة مع تهالكهم عليها علما يقينا متاخما لعين اليقين بحيث لا مجال معه لشائبة ريب بوجه من الوجوه كأن ما عداه من مراتب العلم ليس بعلم لكن لا للإشعار بانحطاط تلك المراتب بل بارتفاع هذه المرتبة وبه يتضح سرا يراد كلمة الشك مع القطع بعدم الاستجابة فإن تنزيل سائر المراتب منزلة العدم مستتبع لتنزيل الجزم بعدم الاستجابة منزلة الشك فيه أو اثبتوا واستمروا على ما كنتم عليه من العلم «إنما أنزل» ملتبسا «بعلم الله» المخصوص به بحيث لا تحوم حوله العقول والأفهام مستبدا بخصائص الإعجاز من جهتي النظم الرائق والإخبار بالغيب «وأن لا إله إلا هو» أي واعلموا أيضا أن لا شريك له في الألوهية وأحكامها ولا يقدر على ما يقدر عليه أحد «فهل أنتم مسلمون» أي مخلصون في الإسلام أو ثابتون عليه وهذا من باب التثبيت والترقية إلى معارج اليقين ويجوز أن يكون الخطاب في الكل للمشركين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم داخلا تحت الأمر بالتحدي والضمير في لم يستجيبوا لمن استطعتم أي فإن لم يستجب لكم آلهتكم وسائر من إليهم تجأرون في مهماتكم وملماتكم إلى المعاونة والمظاهرة فاعلموا أن ذلك خارج عن دائرة قدرة البشر وأنه منزل من خالق القوى والقدر فإيراد كلمة الشك حينئذ مع الجزم بعدم الاستجابة من جهة آلهتكم تهكم بهم وتسجيل عليهم بكمال سخافة العقل وترتيب الأمر بالعلم على مجرد عدم الاستجابة من حيث أنه مسبوق بالدعاء المسبوق بعجزهم واضطرارهم فكأنه قيل فإن لم يستجيبوا لكم عند التجائكم إليهم بعد ما اضطررتم إلى ذلك وضاقت عليكم الحيل وعيت بكم العلل أو من حيث إن من يستمدون بهم أقوى منهم في اعتقادهم فإذا ظهر عجزهم بعدم استجابتهم وإن كان ذلك قبل ظهور
(١٩٢)