سلبناه وإياها وإيراد النزع للإشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليها «إنه ليؤوس» شديد القنوط من روح الله قطوع رجاءه من عود أمثالها عاجلا أو آجلا بفضل الله تعالى لقلة صبره وعدم توكله عليه وثقته به «كفور» عظيم الكفران لما سلف من النعم وفيه إشارة إلى أن النزع إنما كان بسبب كفرانهم بما كانوا يتقلبون فيه من نعم الله عز وجل وتأخيره عن وصف يأسهم مع تقدمه عليه لرعاية الفواصل على أن اليأس من فضل الله سبحانه وقطع الرجاء عن إضافة أمثاله في العاجل وإيصال أجره في الآجل من باب الكفران للنعمة السالفة أيضا «ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته» كصحة بعد سقم وجدة بعد عدم وفرج بعد شدة وفي التعبير عن ملابسه الرحمة والنعماء بالذوق المؤذن بلذتهما وكونهما مما يرغب فيه وعن ملابسه الضراء بالمس المشعر بكونها في أدنى ما ينطلق عليه اسم الملاقاة من مراتبها وإسناد الأول إلى الله عز وجل دون الثاني ما لا يخفي من الجزالة والدلالة على أن مراده تعالى إنما هو إيصال الخير المرغوب فيه على أحسن ما يكون وأنه إنما يريد بعبادة اليسر دون العسر وإنما ينالهم ذلك بسوء اختيارهم نيلا يسيرا كأنما يلاصق البشرة من غير تأثير وأما نزع الرحمة فإنما صدر عنه بقضية الحكمة الداعية إلى ذلك وهي كفرانهم بها كما سبق وتنكير الرحمة باعتبار لحقوق النزع بها «ليقولن ذهب السيئات عني» أي المصائب التي تسوؤني ولن يعتريني بعد أمثالها كما هو شأن أولئك الأشرار فإن الترقب لورود أمثالها مما يكدر السرور وينغص العيش «إنه لفرح» بطر وأشر بالنعم مغتر بها «فخور» على الناس بما أوتى من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها واللام في لئن في الآيات الأربع موطئة للقسم وجوابه ساد مسد جواب الشرط «إلا الذين صبروا» على ما أصابهم من الضراء سابقا أو لاحقا إيمانا بالله واستسلاما لقضائه «وعملوا الصالحات» شكرا على آلائه السالفة والآنفة والام في الإنسان إما لاستغراق الجنس فالاستثناء متصل أو للعهد فمنقطع «أولئك» إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الحميدة «لهم مغفرة» عظيمة لذنوبهم وإن جمت «وأجر» ثواب لأعمالهم الحسنة «كبير» ووجه تعلق الآيات الثلاث بما قبلهن من حيث إن إذاقة النعماء ومساس الضراء فصل من باب الابتلاء واقع موقع التفصيل من الإجمال الواقع في قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا والمعنى أن كلا من إذاقة النعماء ونزعها مع كونه ابتلاء للإنسان أيشكر أم يكفر لا يهتدي إلى حسن الصواب بل يحيد في كلتا الحالتين عنه إلى مهاوي الضلال فلا يظهر منه حسن عمل إلا من الصابرين الصالحين أو من حيث أن إنكارهم بالبعث واستهزائهم بالعذاب بسبب بطرهم وفخرهم كأنه قيل إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبيعة الإنسان مجبولة على ذلك
(١٩٠)