اجتنبوا ثمرتها ولم يكونوا يريدون بها شيئا آخر فلا جرم لم يكن لهم في الآخرة إلا النار وعذابها المخلد «وحبط ما صنعوا فيها» أي ظهر في الآخرة حبوط ما صنعوه من الأعمال التي كانت تؤدي إلى الثواب لو كانت معمولة للآخرة أو حبط ما صنعوه في الدنيا من أعمال البر إذ شرط الاعتداد بها الإخلاص «وباطل» أي في نفسه «ما كانوا يعملون» في أثناء تحصيل المطالب الدنيوية ولأجل ان الأول من شأنه استتباع الثواب والأجر وأن عدمه لعدم مقارنته للإيمان والنية الصحيحة وأن الثاني ليس له جهة صالحة قط علق بالأول الحبوط المؤذن بسقوط أجره بصيغة الفعل المنبيء عن الحدوث وبالثاني البطلان المفصح عن كونه بحيث لا طائل تحته أصلا بالاسمية الدالة على كون ذلك وصفا لازما له ثابتا فيه وفي زيادة كان في الثاني دون الأول إيماء إلى أن صدور أعمال البر منهم وإن كان لغرض فاسد ليس في الاستمرار والدوام كصدور الأعمال التي هي من مقدمات مطالبهم الدنية وقرئ وبطل على الفعل أي ظهر بطلانه حيث علم هناك أن ذلك وما يستتبعه من الحظوظ الدنيوية مما لا طائل تحته أو انقطع أثره الدنيوي فبطل مطلقا وقرئ وباطلا ما كانوا يعملون على أن ما إبهامية أو في معنى المصدر كقوله ولا خارجا من في زور كلام وعن أنس رضى الله عنه أن المراد بقوله تعالى من كان يريد الخ اليهود والنصارى إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن وقيل هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم في الغنائم وأنت خبير بأن ذلك إنما كان بعد الهجرة والسورة مكية وقيل هم أهل الرياء يقال للقراء منهم أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك وهكذا لغيرة ممن يعمل أعمال البر لا لوجه الله تعالى فعلى هذا لا بد من تقييد قوله تعالى لهم إلا النار بأن ليس لهم بسبب أعمالهم الريائية إلا ذلك والذي تقتضيه جزالة النظم الكريم أن المراد به مطلق الكفرة بحيث يندرج فيهم القادحون في القرآن العظيم اندراجا أوليا فإنه عز وعلا لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن يزدادوا علما ويقينا بأن القرآن منزل بعلم الله وبأن لا قدرة لغيره على شيء أصلا وهيجهم على الثبات على الإسلام والرسوخ فيه عند ظهور عجز الكفرة وما يدعون من دون الله عن المعارضة وتبين أنهم ليسوا على شيء أصلا اقتضى الحال أن يتعرض لبعض شؤونهم الموهمة لكونهم على شيء في الجملة من نيلهم الحظوظ العاجلة واستيلائهم على المطالب الدنيوية وبيان أن ذلك بمعزل عن الدلالة عليه ولقد بين ذلك أي بيان ثم أعيد الترغيب فيما ذكر من الإيمان بالقرآن والتوحيد والإسلام فقيل «أفمن كان على بينة من ربه» أي برهان نير عظيم الشأن يدل على حقية ما رغب في الثبات علية من الإسلام وهو القرآن وباعتباره أو بتأويل البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله تعالى «ويتلوه» أي يتبعه «شاهد» يشهد بكونه من عند الله تعالى وهو الإعجاز في
(١٩٤)