أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فإن لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به فكما أن الأول أشرف من الثاني فكذا الحال في عمله كيف لا ولا عمل بدون معرفة الله عز وجل الواجبة على العباد آثر ذي أثير وإنما طريقها النظري التفكر في بدائع صنائع الملك الخلاق والتدبر في آياته البينات المنصوبة في الأنفس والآفاق ولا طاعة بدون فهم ما في مطاوي الكتاب الحكيم من الأوامر والنواهي وغير ذلك مما له مدخل في الباب وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله عز وجل الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل في اليوم بجوارحه مثل علم أهل الأرض وتعليق فعل البلوى أي تعقيبه بحرف الاستفهام لا التعليق المشهور الذي يقتضى عدم إيراد المفعول أصلا مع اختصاصه بأفعال القلوب لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته كالنظر ونظائره ولذلك أجرى مجراه بطريق التمثيل أو الاستعارة التبعية وإيراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل للفريقين باعتبار أعمالهم المقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصود الأصلي مما ذكر من إبداع تلك البدائع على ذلك النمط الرائع إنما هو ظهور كمال إحسان المحسنين وأن ذلك لكونه على أتم الوجوه اللائقة وأكمل الأساليب الرائقة يوجب العمل بموجبه بحيث لا يحيد أحد عن سننه المستبين بل يهتدى كل فرد إلى ما يرشد إليه من مطلق الإيمان والطاعة وإنما التفاوت بينهم في مراتبهما بحسب القوة والضعف والكثرة والقلة وأما الإعراض عن ذلك والوقوع في مهاوى الضلال فبمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلا عن أن ينظم ظهوره في سلك العلة الغائبة لذلك الصنع البديع وإنما هو عمل يصدر عن عاملة بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب ولا يخفى ما فيه من الترغيب في الترقي إلى معارج العلوم ومدارج الطاعات والزجر عن مباشرة نقائضها والله تعالى أعلم «ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت» على ما يوجبه قضية الابتلاء ليترتب عليه الجزاء المتفرع على ظهور مراتب الأعمال «ليقولن الذين كفروا» إن وجه الخطاب في قوله تعالى إنكم إلى جميع المكلفين فالموصول مع صلته للتخصيص أي ليقولن الكافرون منهم وإن وجه إلى الكافرين منهم فهو وارد على طريقة الذم «إن هذا إلا سحر مبين» أي مثله في الخديعة أو البطلان وهذا إشارة إلى القول المذكور أو إلى القرآن فإن الإخبار عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب كونه بطريق الوحي المتلو إلا أنهم عند سماعهم ذلك تخلصوا إلى القرآن لانبائه عنه في كل موضع وكونه علما عندهم في ذلك فعمدوا إلى تكذيبه وتسميته سحرا تماديا منهم في العناد وتفاديا عن سنن الرشاد وقيل هو إشارة إلى نفس البعث ولا يلائمه التسمية بالسحر فإنه إنما يطلق على شيء موجود ظاهرا لا أصل له في الحقيقة ونفس البعث عندهم معدوم بحت وتعلق الآية الكريمة بما قبلها إما من حيث أن البعث كما أشير إليه من تتمات الابتلاء المذكور فكأنه قيل الأمر كما ذكر ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذة من مقدماته وقضية فرده من تتماته لا يتلعثمون في الرد ويعدون ذلك من قبيل ما لا صحة له أصلا فضلا عن تصديق ما هذه من تتماته وأما من حيث أن البعث خلق جديد فكأنه قيل وهو الذي خلق جميع المخلوقات ابتداء لهذه الحكمة البالغة ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه يعيدهم تارة أخرى وهو
(١٨٨)