تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ١١٧
من حيث المال لا من عظمائهم كقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وكلا الوجهين من ظهور البطلان بحيث لا مزيد عليه أما الأول فلأن بعض الملك إنما يكون عند كون المبعوث إليهم ملائكة كما قال سبحانه قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وأما عامة البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضة الملكية كيف لا وهى منوطة بالتناسب والتجانس فبعث الملك إليهم مزاحم للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع وإنما الذي تقتضيه الحكمة أن يبعث الملك من بينهم إلى الخواص المختصين بالنفوس الزكية المؤيدين بالقوة القدسية المتعلقين بكلا العالمين الروحاني والجسماني ليتلقوا من جانب ويلقوا إلى جانب وأما الثاني فلما أن مناط الاصطفاء للنبوة والرسالة هو التقدم في الاتصاف بما ذكر من النعوت الجميلة والصفات الجليلة والسبق في إحراز الفضائل العلية وحيازة الملكات السنية جبلة واكتسابا ولا ريب لأحد منهم في أنه صلى الله عليه وسلم في ذلك الشأن في غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية وأما التقدم في الرياسات الدنيوية والسبق في نيل الحظوظ الدنية فلا دخل له في ذلك قطعا بل له إخلال به غالبا قال صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء «أن أنذر الناس» أن مصدرية لجواز كون صلتها أمرا كما في قوله تعالى وأن أقم وجهك وذلك لأن الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر سيان فساغ وقوع الأمر والنهى صلة حسب وقوع الفعل فليجرد عند ذلك عن معنى الأمر والنهى نحو تجرد الصلة الفعلية عن معنى المضي والاستقبال ووجوب كون الصلة في الموصول الأسمى خبرية إنما هو للتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل لا لقصور في دلالة الإنشاء على المصدر أو مفسرة إذ الإيحاء فيه معنى القول وقد جوز كونها مخففة من المثقلة على حذف ضمير الشأن والقول من الخبر والمعنى أن الشأن قولنا أنذر الناس والمراد به جميع الناس كافة لا ما أريد بالأول وهو النكتة في إيثار الإظهار على الإضمار وكون الثاني عين الأول عند إعادة المعرفة ليس على الإطلاق «وبشر الذين آمنوا» بما أوحيناه وصدقوه «أن لهم» أي بأن لهم «قدم صدق» أي سابقة ومنزلة رفيعة «عند ربهم» وإنما عبر عنها بها إذ بها يحصل السبق والوصول إلى المنازل الرفيعة كما يعبر عن النعمة باليد لأنها تعطى بها وقيل مقام صدق والوجه أو الوصول إلى المقام إنما يحصل بالقدم وإضافتها إلى الصدق للدلالة على تحققها وثباتها وللتنبيه على أن مدار نيل ما نالوه من المراتب العلية هو صدقهم فإن التصديق لا ينفك عن الصدق «قال الكافرون» هم المتعجبون وإيرادهم ههنا بعنوان الكفر مما لا حاجة إلى ذكر سببه وترك العاطف لجريانه مجرى البيان للجملة التي دخلت عليها همزة الإنكار أو لكونه استئنافا مبنيا على السؤال كأنه قيل ماذا صنعوا بعد التعجب هل بقوا على التردد والاستبعاد أو قطعوا فيه بشئ فقيل قال الكافرون على طريقة التأكيد «إن هذا» يعنون به ما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن الحكيم المنطوى على الإنذار والتبشير «لسحر مبين» أي ظاهر وقرئ لساحر على أن الإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرئ ما هذا إلا سحر مبين وهذا اعتراف من حيث لا يشعرون بأن ما عاينوه خارج عن طوق البشر نازل من جناب خلاق القوى والقدر ولكنهم سموه بما قالوا تماديا في العناد كما هو ديدن
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308