وتصدير الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بتلق المأمور به وتخصيص الخطاب به عليه السلام للإيذان بأصالته في تلقي الوحي وتعاطي المأمور به «اسكن أنت وزوجك الجنة» هو من السكن الذي هو عبارة عن اللبث والاستقرار والإقامة لا من السكون الذي هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن ليصح العطف عليه والفاء في قوله تعالى «فكلا من حيث شئتما» لبيان المراد مما في سورة البقرة من قوله تعالى وكلا منها رغدا حيث شئتما من أن ذلك كان جمعا مع الترتيب وقوله تعالى من حيث شئتما في معنى منها حيث شئتما ولم يذكر ههنا رغدا ثقة بما ذكر هناك وتوجيه الخطاب إليهما لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما ي مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليه السى لام في حق الأكل بخلاف السكن فإنها تابعة له فيه ولتعليق النهي بها صريحا في قوله تعالى «ولا تقربا هذه الشجرة» وقرئ هذي وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء «فتكونا من الظالمين» إما جزم على العطف أو نصب على الجواب «فوسوس لهما الشيطان» أي فعل الوسوسة لأجلهما أو تكلم لهما كلاما خفيا متداركا وهي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة والخشخشة ومنه وسوس الحلى وقد سبق بيان كيفية وسوسته في سورة البقرة «ليبدي لهما» أي ليظهر لهما واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما ولذلك عبر عنهما بالسوأة وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع «ما ووري عنهما من سوآتهما» نما غطى ة وستر عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهورة كما قلبت في أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرئ سواتهما بحذف الهمزة وإلقاء حركاتها على الواو وبقلبها واوا وإدغام الواو الساكنة فيها «وقال» عطف على وسوس بطريق البيان «ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة» أي عن أكلها «إلا أن تكونا ملكين» أي إلا كراهة أن تكونا ملكين «أو تكونا من الخالدين» الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة وليس فيه دلالة على أفضلية الملائكة عليهم السلام لما أن من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أوصاف الملائكة من الكمالات الفطرية والاستغناء عن الأطعمة والأشربة وذلك بمعزل من الدلالة على الأفضلية بالمعنى المتنازع فيه «وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين» أي أقسم لهما وصيغة المغالبة للمبالغة وقيل أقسما له بالقبول وقيل قالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة «فدلاهما»
(٢٢٠)