تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٥
أي أنزلهما من قبل تنزيل الكتاب والتصريح به مع ظهور الأمر للمبالغة في البيان «هدى للناس» في حيز النصب على أنه علة للإنزال أي أنزلهما لهداية الناس أو على أنه حال منهما أي أنزلهما حال كونهما هدى لهم والإفراد لما أنه مصدر جعلا نفس الهدى مبالغة أو حذف منه المضاف أي ذوى هدى ثم إن أريد هدايتهما بجميع ما فيهما من حيث هو جميع فالمراد بالناس الأمم الماضية من حين نزولهما إلى زمان نسخهما وأن أريد هدايتهما على الإطلاق وهو الأنسب بالمقام فالناس على عمومه لما أن هدايتهما بما عد الشرائع المنسوخة من الأمور التي يصدقهما القرآن فيها ومن جملتها البشارة بنزوله وبمبعث النبي صلى الله عليه وسلم تعم الناس قاطبة «وأنزل الفرقان» الفرقان في الأصل مصدر كالغفران أطلق على الفاعل مبالغة والمراد به ههنا أما جنس الكتب إلهية عبر عنها بوصف شامل لما ذكر منها وما لم يذكر على طريق التتميم بالتعميم إثر تخصيص بعض مشاهيرها بالذكر كما في قوله عز وجل فأنبتنا فيها حبا وعنبا إلى قوله تعالى وفاكهة وإما نفس الكتب المذكورة أعيد ذكرها بوصف خاص لم يذكر فيما سبق على طريقة العطف بتكرير لفظ الإنزال تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما في قوله سبحانه ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وإما الزبور فإنه مشتمل على المواعظ الفارقة بين الحق والباطل الداعية إلى الخير والرشاد الزاجرة عن الشر والفساد وتقديم الإنجيل عليه مع تأخره عنه نزولا لقوة مناسبته للتوراة في الاشتمال على الأحكام والشرائع وشيوع اقترانهما في الذكر وإما القرآن نفسه ذكر بنعت مادح له بعد ما ذكر باسم الجنس تعظيما لشأنه ورفعا لمكانة وقد بين أولا تنزيله التدريجي إلى الأرض وثانيا إنزاله الدفعي إلى السماء الدنيا أو أريد بإنزال القدر المشترك العاري عن قيد التدريج وعدمه وإما المعجزات المقرونة بإنزال الكتب المذكورة الفارقة بين المحق والمبطل «إن الذين كفروا بآيات الله» وضع موضع الضمير العائد إلى ما فصل من الكتب المنزلة أو منها ومن المعجزات وآيات مضافة إلى الاسم الجليل تعيينا لحيثية كفرهم وتهويلا لأمرهم وتأكيدا لاستحقاقهم العذاب الشديد وإيذانا بأن ذلك الاستحقاق لا يشترط فيه الكفر بالكل بل يكفى فيه الكفر ببعض منها والمراد بالموصول إما أهل الكتابين وهو الأنسب بمقام المحاجة معهم أو جنس الكفرة وهم داخلون فيه دخولا أوليا أي ان الذين كفروا بما ذكر من آيات الله الناطقة بالحق لا سيما بتوحيده تعالى وتنزيهه عما لا يليق بشأنه الجليل كلا أو بعضا مع ما بها من النعوت الموجبة للإيمان بها بأن كذبوا بالقرآن أصالة وبسائر الكتب الإلهية تبعا لما ان تكذيب المصدق موجب لتكذيب ما يصدقه حتما وأصالة أيضا بأن كذبوا بآياتها الناطقة بالتوحيد والتنزيه وآياتها المبشرة بنزول القرآن ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم وغيروها «لهم» بسبب كفرهم بها «عذاب» مرتفع إما على الفاعلية من الجار والمجرور أو على الابتداء والجملة خبر أن والتنوين للتفخيم أي أي عذاب «شديد» لا يقادر قدره وهو وعيد جئ به إثر تقرير أمر التوحيد الذاتي والوصفى والإشارة إلى ما ينطق بذلك من الكتب الإلهية حملا على القبول والإذعان وزجرا عن الكفر والعصيان «والله عزيز» لا يغالب يفعل ما يشاء ويحكم ما يرد «ذو انتقام» عظيم خارج عن أفراد جنسه وهو افتعال من النقمة وهي السطورة والتسلط يقال انتقم منه إذا عاقبه بجنايته والجملة اعتراض تذييلى مقرر للوعيد
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254