الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٣
يقال لها ناسك وأما الأخرى فعند مطلعها يقال لها منسك وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأمة يقال لها تأويل فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين يا إلهي أنت قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره الا أنت فأخبرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها بأي قوة أكابرهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي حيلة أكايدهم وبأي انسان أناطقهم وكيف لي بان أحاربهم وبأي سمع أعي قولهم وبأي بصر أنفذهم وبأي حجة أخاصمهم وبأي قلب أعقل عنهم وبأي حكمة أدبر أمرهم وبأي قسط أعدل بينهم وبأي حلم أصابرهم وبأي معرفة أفصل بينهم وبأي علم أتقن أمرهم وبأي يد أسطو عليهم وبأي رجل أطؤهم وبأي طاقة أخصمهم وبأي جند أقاتلهم وبأي رفق أستألفهم وانه ليس عندي يا إلهي شئ مما ذكرت يقرن لهم ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم وأنت الرب الرحيم الذي لا يكلف نفسا ولا يحملها الا طاقتها ولا يعنتها ولا يفدحها بل يرأفها ويرحمها فقال له الله عز وجل انى سأطوقك ما حملتك أشرح لك صدرك فيتسع لكل شئ واشرح لك فهمك فتفقه كل شئ وابسط لك لسانك فتنطق بكل شئ وافتح لك سمعك فتعي كل شئ وأمد لك بصرك فتنفد كل شئ وأدبر لك أمرك فتتقن كل شئ وأحصر لك فلا يفوتك شئ واحفظ عليك فلا يعزب عنك شئ وأشد ظهرك فلا يهدك شئ وأشد لك ركبك فلا يغلبك شئ وأشد لك قلبك فلا يروعك شئ وأشد لك عقلك فلا يهولك شئ وأبسط لك يديك فيسطوان فوق كل شئ وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ وأسخر لك النور والظلمة فاجعلهما جندا من جنودك يهديك النور من امامك وتحوطك الظلمة من ورائك فلما قيل له ذلك انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس فلما بلغهم وجد جمعا وعددا لا يحصيه الا الله تعالى وقوة وبأسا لا يطيقه الا الله وألسنة مختلفة وأمورا مشتبهة وأهواء مشتتة وقلوبا متفرقة فلما رأى ذلك كابرهم بالظلمة وضرب حولهم ثلاثة عساكر منها وأحاطت بهم من كل جانب وحاشدهم حتى جمعهم في مكان واحد ثم دخل عليهم بالنور فدعاهم إلى الله وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فادخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنفهم وآذانهم وأجوافهم ودخلت في بيوتهم ودورهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب منهم فماجوا فيها وتحيروا فلما أشفقوا ان يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد فكشف عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جند واحدا ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من حولهم والنور من أمامه يقوده ويدله وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل وسخر الله يده وقلبه ورأيه ونظره وائتماره فلا يخطئ إذا ائتمر وإذا عمل عملا أتقنه فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه فإذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفنا من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة واحدة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود فإذا قطع الانهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل انسان لوحا فلا يكربه حمله فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنودا كفعله في الأمتين اللتين قبلهما ثم كر مقبلا في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تأويل وهي الأمة التي بحيال هاويل وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض كلها فلما بلغها عمل فيها وجند منها كفعله فيما قبلها فلما فرغ منها عطف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن وسائر الانس ويأجوج ومأجوج فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق قالت له أمة من الانس صالحة يا ذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله كثيرا فيهم مشابهة من الانس وهم أشباه البهائم وهم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش كما يفترسها السباع ويأكلون خشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض وليس لله خلق ينمو نمائهم في العام الواحد ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم فان كانت لهم كثرة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم فلا شك انهم سيملأون الأرض ويجلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم ورأيناهم الا ونحن نتوقعهم ونظر ان يطلع إلينا أوائلهم من هذين الجبلين فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكنى فيه ربى خير فأعينوني بقوة أجعل
(٢٤٣)
مفاتيح البحث: الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست