الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٦
فسار حتى انتهى إلى درجة مدرجة فصعد عليها فإذا هو بسطح ممدود لا يرى طرفاه وإذا رجل شاب قائم شاخص ببصره إلى السماء واضع يده على فمه قد قدم رجلا وأخر أخرى فسلم عليه ذو القرنين فرد عليه السلام ثم قال له من أنت قال أنا ذو القرنين قال يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى قطعت الظلمة ووصلت إلى قال ومن أنت قال أنا صاحب الصور قد قدمت رجلا وأخرت أخرى ووضعت الصور على فمي وأنا شاخص ببصري إلى السماء أنتظر أمر ربى ثم تناول حجرا فدفعه فقال انصرف فان هذا الحجر سيخبرك بتأويل ما أردت فانصرف ذو القرنين حتى أتى عسكره فنزل وجمع إليه العلماء فحدثهم بحديث القصر وحديث العمود والطير وما قال له وما رد عليه وحديث صاحب الصور وانه قد دفع إليه هذا الحجر وقال إنه سيخبرني بتأويل ما جئت به فأخبروني عن هذا الحجر ما هو وأي شئ أراد بهذا قال فدعوا بميزان ووضع حجر صاحب الصور في إحدى الكفتين ووضع حجر مثله في الكفة الأخرى فرجح به ثم وضع معه حجر آخر رجح به ثم وضع مائة حجر فرجح بها حتى وضع ألف حجر فرجح بها فقال ذو القرنين هل عند أحد منكم في هذا الحجر من علم قال والخضر قاعد بحاله لا يتكلم فقال له يا خضر هل عندك في هذا الحجر من علم قال نعم قال وما هو قال الخضر أيها الملك ان الله ابتلى العالم بالعالم وابتلى الناس بعضهم ببعض وان الله ابتلاك بي وابتلاني بك فقال له ذو القرنين ما أراك الا قد ظفرت بالامر الذي جئت أطلبه قال له الخضر قد كان ذلك قال فائتني فاخذ الميزان ووضع حجر صاحب الصور في إحدى الكفتين ووضع في الكفة الأخرى حجرا وأخذ قبضة من تراب فوضعها مع الحجر ثم رفع الميزان فرجح الحجر الذي معه التراب على حجر صاحب الصور فقالت العلماء سبحان الله ربنا وضعناه مع ألف حجر فمال بها ووضع الخضر معه حجرا واحدا وقبضة من تراب فمال به فقال له ذو القرنين أخبرني بتأويل هذا قال أخبرك انك مكنت من مشرق الأرض ومغربها فلم يكفك ذلك حتى تناولت الظلمة حتى وصلت إلى صاحب الصور وانه لا يملأ عينك الا التراب قال صدقت ورحل ذو القرنين فرجع في الظلمة راجعا فجعلوا يسمعون خشخشة تحت سنابك خيلهم فقالوا أيها الملك ما هذه الخشخشة التي نسمع تحت سنابك خيلنا قال من أخذ منه ندم ومن تركه ندم فأخذت منه طائفة وتركت طائفة فلما برزوا به إلى الضوء نظروا فإذا هو الزبرجد فندم الآخذ ان لا يكون ازداد وندم التارك أن لا يكون أخذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي ذا القرنين دخل الظلمة وخرج منها زاهدا أما انه لو خرج منها راغبا لما ترك منها حجرا الا أخرجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بدومة الجندل فعبد الله فيها حتى مات ولفظ أبى الشيخ قال أبو جعفر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدأه ما ترك منه شيئا حتى يخرجه إلى الناس انه كان راغبا في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها * وأخرج ابن إسحاق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه سئل عن ذي القرنين فقال كان عبدا أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه فبعثه إلى قوم يدعوهم إلى الله فدعاهم إلى الله والى الاسلام فضربوه على قرنه الأيمن فمات فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه فأرسله إلى أمة أخرى يدعوهم إلى الله والى الاسلام فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه فسخر له السحاب وخيره فيه فاختار صعبه على ذلوله وصعبه الذي لا يمطر وبسط له النور ومد له الأسباب وجعل الليل والنهار عليه سواء فبذلك بلغ مشارق الأرض ومغاربها * وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه ان ذا القرنين لما بلغ الجبل الذي يقال له قاف ناداه ملك من الجبل أيها الخاطئ ابن الخاطئ جئت حيث لم يجئ أحد قبلك ولا يجئ أحد بعدك فأجابه ذو القرنين وأين انا قال له الملك أنت في الأرض السابعة فقال ذو القرنين ما ينجيني فقال ينجيك اليقين فقال ذو القرنين اللهم ارزقني يقينا فأنجاه الله قال له الملك انه ستأتي إلى قوم فتبنى لهم سدا فإذا أنت بنيته وفرغت منه فلا تحدث نفسك انك بنيته بحول منك أو قوة فيسلط الله على بنيانك أضعف خلقه فيهدمه ثم قال له ذو القرنين ما هذا الجبل قال هذا الجبل الذي يقال له قاف وهو أخضر والسماء بيضاء وانما خضرتها من هذا الجبل وهذا الجبل أم الجبال والجبال كلها من عروقه فإذا أراد الله أن يزلزل قرية حرك منه عرقا ثم إن الملك ناوله عنقودا من عنب وقال له حبة ترويك وحبة تشبعك وكلما أخذت منه حبة عادت مكانها حبة ثم خرج من عنده فجاء البنيان الذي أراد الله فقالوا له
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست