الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٢
اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها قال له موسى ورأى أمرا أفظع به أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا قال ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت أي بما تركت من عهدك ولا ترهقني من أمري عسرا ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فاخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرأى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس أي صغيرة لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا أي قد عذرت في شأني فانطلقا حتى أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا ان يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال لو شئت لاتخذت عليه أجرا أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفونا ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وانما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا ان يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك ان يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري أي ما فعلته عن نفسي ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا فكان ابن عباس يقول ما كان الكنز الا علما * وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قام موسى خطيبا لبني إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه ان أحدا لم يؤت من العلم ما أوتى وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له يا موسى ان من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك قال فادللني عليه حتى أتعلم منه قال يدلك عليه بعض زادك فقال لفتاه يوشع لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا قال فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهينا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا فذكر الفتى قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا فذكر موسى ما كان عهد إليه انه يدلك عليه بعض زادك قال ذلك ما كنا نبغي أي هذه حاجتنا فارتدا على آثارهما قصصا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثرا الحوت فاخذ أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا فأقر له بالعلم قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا قال فان اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا يقول حتى أكون أنا أحدث ذلك لك فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها إلى قوله فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم فقتله قال أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا قال ابن عباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها إلى قوله سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا قال وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين إلى قوله ذلك تأويل ما لم تسطع
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست