الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٩٩
فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وأنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها عن نفسها فأبت الا أن يكونا على أمرها ودينها فسألها عن دينها فأخرجت لهما صنما فقالت هذا أعبده فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فأراداها عن نفسها ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها فلما رأت انهما أبيا ان يعبدا الصنم فقالت لهما اختارا أحد الخلال الثلاث اما ان تعبدا هذا الصنم واما ان تقتلا هذا النفس واما ان تشربا هذا الخمر فقالا كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثة شرب الخمر فأخذت منهما فواقعا المرأة فخشيا ان يخبر الانسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهما السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا ان يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا وحيل بينهما وبين ذلك وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب وعرفوا انه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فنزل في ذلك والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض فقيل لهما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقالا اما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب واما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي فقالوا يا رب أهل الأرض يعملون بالمعاصي فقال الله أنتم معي وهم غيب عنى فقيل لهم اختاروا منكم ثلاثة فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض يحكموا بين أهل الأرض وجعل فيهم شهوة الآدميين فأمروا أن لا يشربوا خمرا ولا يقتلوا نفسا ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن فاستقال منهم واحد فأقيل فاهبط اثنان إلى الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها أنه هيله فهوياها جميعا ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها فقالت لهما لا حتى تشربا خمرى وتقتلا ابن جارى وتسجدا لوثني فقالا لا نسجد ثم شربا من الخمر ثم قتلا ثم سجدا فأشرف أهل السماء عليهما وقالت لهما أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة واما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا فهما مناطان بين السماء والأرض * واخرج ابن جرير من طريق أبى عثمان النهدي عن ابن مسعود وابن عباس قالا لما كثر بنو آدم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال ربنا لا تمهلهم فأوحى الله إلى الملائكة انى أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ولو تركتم لفعلتم أيضا قال فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا لعصموا فأوحى الله إليهم ان اختاروا ملكين من أفضلكم فاختاروا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يسمونها بيدخت قال فواقعاها بالخطيئة فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا * وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله في هذه الآية كانا ملكين من الملائكة فاهبطا ليحكما بين الناس وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ثم صعد اذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا * وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال كنت مع مجاهد فمر بنا رجل من قريش فقال له مجاهد حدثنا ما سمعت من أبيك قال حدثني أبى ان الملائكة حين جعلوا ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس من الملائكة شئ فجعل بعضهم يقول لبعض انظروا إلى بني آدم كيف يعملون كذا وكذا ما أجرأهم على الله يعيبونهم بذلك فقال الله لهم لقد سمعت الذي تقولون في بني آدم فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض واجعل فيهما شهوة بني آدم فاختاروا هاروت وماروت فقالوا يا رب ليس فينا مثلهما فاهبطا إلى الأرض وجعلت فيهما شهوة بني آدم ومثلت لهما للزهرة في صورة امرأة فلما نظرا إليها لم يتمالكا ان تناولا ما الله أعلم به وأخذت الشهوة بأسماعهما وأبصارهما فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا فأتاهما ملك فقال إنكما قد فعلتما ما فعلتما فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقال أحدهما للآخر ماذا ترى
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست