الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ١٠٠
قال أرى ان أعذب في الدنيا ثم أعذب أحب إلى من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا فتنة * وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن الله أفرج السماء إلى ملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم فلما أبصروهم يعملون بالخطايا قالوا يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقت بيدك وأسجدت له ملائكتك وعلمته أسماء كل شئ يعملون بالخطايا قال اما انكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا فأمروا ان يختاروا ليهبط إلى الأرض فاختاروا هاروت وماروت وأهبطا إلى الأرض وأحل لهما ما فيها من شئ غير أنهما لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ولا يزنيا ولا يشربا الخمر ولا يقتلا النفس التي حرم الله الا بالحق فعرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت فلما أبصراها أراداها قالت لا الا أن تشركا بالله وتشربا الخمر وتقتلا النفس وتسجدا لهذا الصنم فقالا ما كنا لنشرك بالله شيئا فقال أحدهما للآخر ارجع إليها فقالت لا الا ان تشربا الخمر فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه فلما وقعا فيما وقعا فيه أفرج الله السماء لملائكته فقالوا سبحانك أنت اعلم فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت وجعلا ببابل * وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الايمان عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت * وأخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخي عيسى معاشر الحواريين احذروا الدنيا لا تسحركم لهي والله أشد سحرا من هاروت وماروت واعلموا ان الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة وان لكل واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة دون بنى الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا الحساب ولا عمل * واخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن بسر المازني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الدنيا فوالذي نفسي بيده انها لا سحر من هاروت وماروت * واخرج ابن جرير عن الربيع قال لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء أي رب هذا العالم انما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد ركبوا الكفر وقتل النفس الحرام وأكل المال الحرام والسرقة والزنا وشرب الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم فقيل لهم انهم في غيب فلم يعذروهم فقيل لهم اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن معصيتي فاختاروا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض وجعل بهما شهوات بني إسرائيل وأمرا ان يعبدا الله وان لا يشركا به شيئا ونهيا عن قتل النفس الحرام واكل المال الحرام والسرقة والزنا وشرب الخمر فلبثا على ذلك في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب وانها أبت عليهما فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها وانها أبت الا ان يكونا على أمرها ودينها وأنهما سألاها عن دينها الذي هي عليه فأخرجت لهما صنما فقالت هذا أعبده فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فصبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فخضعا لها ما شاء الله بالقول وأراداها على نفسها فقالت لا الا أن تكونا على ما أنا عليه فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبد الصنم قالت لهما اختارا إحدى الخلال الثلاث اما أن تعبد الصنم أو تقتلا النفس أو تشربا هذا الخمر فقالا كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثة شرب الخمر وسقتهما الخمر حتى إذا أخذت الخمرة فيهما وقعا بها فمر بهما انسان وهما في ذلك فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه فلما أن ذهب عنهما السكر عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئة وأرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء فنظرت الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب وعرفوا انه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فلما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة قيل لهما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فقالا أما عذاب الدنيا فينقطع ويذهب وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان * وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهى وقالا له انما نحن فتنة فلا تكفر وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والايمان فعرفا أن السحر من الكفر فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتاه عاين
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست