الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٨٠
فتمثل له على صورة راع من رعاة البقر فقال يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة ألا تركبها فإني أراك قد أعييت أظنك لا تملك من الدنيا مالا غير هذه البقرة فإني أعطيك الاجر ينفعك ولا يضرها فإني رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي حتى إذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني فذهبت لأقضي حاجتي فعد أوسط الجبل وتركني وأنا أطلب ولست أقدر عليه فانا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء فان رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعى وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين قال الفتى ان بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء ولست براكب أمرا لم أومر به انما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي انى أعصيه في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهما فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة قال الفتى ان سيدي له ذهب الأرض وفضتها فان أعطيتني شيئا منها علم أنه من ماله ولكن اعطني من ذهب السماء وفضتها فأقول انه ليس هذا من مالك فقال إبليس وهل في السماء ذهب أو فضة أو هل يقدر أحد على هذا قال الفتى أو هل يستطيع العبد بما لم يأمره به سيده كمالا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها قال له إبليس أراك أعجز العبيد في أمرك قال له الفتى ان العاجز من عصى ربه قال له إبليس مالي لا أرى معك زادا ولا ماء قال الفتى زادي التقوى وطعامي الحشيش وشرابي من عيون الجبال قال إبليس ألا آمرك بأمر يرشدك قال الفتى مر به نفسك فإني على رشاد إن شاء الله قال له إبليس ما أراك تقبل نصيحة قال له الفتى الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه فان كنت شيطان فأعوذ بالله منك وان كنت آدميا فاخرج فلا حاجة لي في صحابتك فحمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن الله حبسه عنها فبينما الفتى يمشى إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة ودعاها الفتى وقال باله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب الا ما آتيتني فاتت البقرة إليه وقامت بين يديه فقالت يا أيها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك فإنه إبليس عدو الله اختلسني فلما ناديتني باله إسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتى أهلك إن شاء الله قال فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر فقالت يا بنى انى أراك تحتطب على ظهرك الليل والنهار فتشخص فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقو به وودع به نفسك قال الفتى بكم أبيعها قالت بثلاثة دنانير على رضا منى فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه ملكا من الملائكة ليرى خلف قدرته فقال للفتى بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى فقال أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي قال لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك فقال لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت بعها بستة دنانير على رضا منى فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال ما فعلت فقال أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي قال فخذ اثنى عشر دينارا ولا تستأمرها قال لا فانطلق الفتى إلى أمه فقالت يا بنى ان الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي فإذا أتاك فقل له ان والدتي تقرأ عليك السلام وتقول بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة قال له الملك يا أيها الفتى يشترى بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل وله مال كثير ولم يترك أبوه ولدا غيره وله أخ له بنون كثيرون فيقولون كيف لنا ان نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله فدعوا الغلام إلى منزلهم فقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم فأصبح أهل الدار فاخرجوا الغلام إلى باب الدار وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار فانطلقوا بهم إلى موسى فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل ان أهل الدار برآء من الغلام فشق ذلك على موسى فدعا ربه فأوحى الله إليه أن خذ بقرة صفراء فاقعا لونها فاذبحها ثم اضرب الغلام ببعضها فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها منه على أن يملأوا جلدها دنانير ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها فقام يخبرهم فقال إن بنى عمى قتلوني وأهل الدار منى برآء فاخذهم موسى فقالوا يا موسى أتتخذنا هزوا قد قتل ابن عمنا مظلوما وقد علموا ان سيفضحوا فعمدوا إلى جلد البقرة فملؤه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على فقراء بني إسرائيل وتقوى بالثلث وكذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون * قوله تعالى (ثم قست قلوبكم
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست